الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ ٱلإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلإِنْسِ رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا ٱلَّذِيۤ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَٰكُمْ خَٰلِدِينَ فِيهَآ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ ٱلإِنْسِ } معناه: يَوْمَ نَحْشُرُ الخلائقَ كلَّهم إلى الجزاءِ، يقول: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قََدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنسِ مِمَّنْ أضْلَلْتُمُوهُمْ؛ أي أضلَلْتم كثيراً من الإنسِ وكثيرٌ مُتَّبعُوكُمْ منهُم؛ { وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم }؛ أي قُرَنَاءُ الجنِّ؛ { مِّنَ ٱلإِنْسِ رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ }.

أما اسْتِمْتَاعُ الإنسِ بالجن فما روى الحسنُ: (أنَّ الْعَرَبَ كَانُواْ إذا سَافَرُواْ فَنَزَلُواْ وَادِياً؛ خَافُوا عَلَى أنْفُسِهِمْ فَقَالُواْ: نَعُوذُ بسَيِّدِ هَذا الْوَادِي مِنْ سُفَهَاءِ قَوْمِهِ؛ فَيَبيْتُونَ فِي جِوَارٍ مِنْهُمْ، وَكَانُوا يَرَوْنَ ذلِكَ اسْتَجَارَةً بالْجِنِّ).

وأما استمتاعُ الجنِّ بالإِنسِ؛ فكان عُظَمَاءُ الجنِّ يقولون: قد سُدْنَا الإنسَ مع الجنِّ؛ حتى أن الإنسَ يعوذُون بنَا، فيزدادون بنَا، فيزدادون بذلك شَرَفاً في قومِهم وَعظَماً في أنفسهم. وذلك قَوْلُهُ تَعَالَى:وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً } [الجن: 6].

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا ٱلَّذِيۤ أَجَّلْتَ لَنَا }؛ أي أدْرَكْنَا وَقْتَنَا الذي وُقَّتَ لنا. قِيْلَ: إنَّ المرادُ به وقتُ البعثِ، وَقِيْلَ: إن المراد وقتُ الموتِ. وفي هذا دليلٌ على أنه لا يكون للمقتول أجَلاَنِ بخلافِ ما يقولُ بعض القومِ: إنَّ المقتولَ لو لم يُقتل لكان يبقى حَيّاً لا محالةَ. لأنه قد كان في هؤلاءِ مقتولون وقد أُخْبرُوا كلُّهم أنَّهم قد بلغُوا أجلهم الذي أجَّلَهُ الله لَهم.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { قَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَٰكُمْ }؛ أي قالَ اللهُ تَعَالَى: النَّارُ مقرُّكم ومَنْزِلُكمْ؛ فإنكم قد أقْرَرْتُمْ على أنفسكم باستحقاقِ العذاب ولزُومِ الحقِّ عليكم، قَوْلُهُ تَعَالَى: { خَٰلِدِينَ فِيهَآ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ }؛ قال ابنُ عبَّاس: (وَكَانَ مَا شَاءَ اللهُ بقَوْلِهِ:إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } [النساء: 48]).

وَقِيْلَ: معناه: { إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ } ما بَيْنَ البعثِ من القبرِ إلى وقت الفَرَاغ من الحساب؛ فإنه لا يكون لَهم عذابٌ في ذلك الوقت. وَقِيْلَ: معناه: { إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ } أن يعذِّبَهم من صُنُوفِ العذاب. قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ }؛ في عِقَابهِ؛ { عَليمٌ }؛ بقَدْر ما يستحقُّونَ من العذاب.