قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ }؛ يعني من الذبائحِ، وموضع (أنْ) نصب لأنَّ (في) سقطت، { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ }؛ أي وقد بَينَ لكم مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ من الْمَيْتَةِ والدَّمِ والخنْزيرِ على ما تقدَّم في سورةِ المائدة.
قرأ الحسنُ وقتادة وأهلُ المدينة وحفصُ: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) بالفتحِ فيهما على معنى: فصَّل اللهُ. وقرأ ابنُ عامر وابنُ كثير وأبو عمرٍو بضمِّهما جميعاً. وقرأ أهلُ الكوفةِ إلا حفصاً: (فَصَّلَ) بالفتح (وحُرِّمَ) بالضَّمِّ. وقرأ عطيةُ العوفِيُّ: (فَصَلَ) بالتخفيف مفتوحاً؛ يعني قَطَعَ الحكمَ فيما حرَّمَ عليكم.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: { إِلاَّ مَا ٱضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ }؛ أي إلا ما دَعتْكُمُ الضرورةُ إلى أكلهِ، فقد رَخَّصَ لكم حينئذٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَإِنَّ كَثِيراً }؛ يعني الكفارَ يأكلونَ الْمَيْتَةَ والذبائحَ التي لم يُذْكَرِ اسمُ اللهِ عليها عَمْداً، والتي يذبحونَها لآلِهتهم بلا عِلْمٍ عندهم ولا بَصِيْرَةٍ، يتَّبعون الهوَى والشَّهوات في ذلكَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ }؛ قرأ الحسنُ وأهلُ الكوفة بضمِّ الياء لقوله:{ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } [الأنعام: 116]. وقرأ الباقونَ بفتحِها لقولهِ:{ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ } [الأنعام: 117]. فمعنى مَن قرأ بضمِّ الياء: أنَّهم يَصْرِفُونَ الناسَ عن الْهُدَى بالدُّعاءِ إلى أكلِ الْمَيْتَةِ على وجهِ الْجِدَالِ والْخِدَاعِ، وقولهُ: { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُعْتَدِينَ } أي أعْلَمُ بعقوبةِ المتجاوزين من الحلالِ إلى الحرام.