الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ }

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَابَ مُفَصَّلاً }؛ وذلك أن نَفَراً من أهلِ مكَّةَ قالوا: يَا مُحَمَّدُ؛ اجْعَلْ بينَنا وبينكَ حَكَماً من اليهودِ والنَّصارى، فإنَّهم قرأوا الكُتُبَ قبلكَ. فأنزلَ اللهُ هذه الآيةَ.

ومعناها: قُلْ لَهم يَا مُحَمَّدُ: أفَغَيْرَ اللهِ أطلبُ رَبّاً ومعبوداً يُسَاوِي حُكْمُهُ حُكْمَ اللهِ؛ فأجعلهُ حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أنزلََ إلَيْكُمْ القرآن مُفَصَّلاً مبيَّناً أمرَهُ ونَهْيَهُ بلغةٍ تَعرفونَها. ويقالُ: مُتَفَرِّقاً سورةً سورةً؛ وآية آيةً.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ }؛ أي التَّوْرَاةَ؛ هم عَبْدُاللهِ بْنُ سَلاَمٍ وأصحابُه؛ { يَعْلَمُونَ أَنَّهُ }؛ أي الْقُرْآنُ؛ { مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ }؛ بما تقدَّم لَهم من البشَارَةِ في كُتُبهِمْ بأنَّ الله يبعثُ في آخِرِ الزمانِ نَبِيّاً من ولْدِ إسماعيلَ، ويُنَزِّلُ عليه الْقُرْآنَ. وقَوْلُهُ تَعَالَى: { بِٱلْحَقِّ }؛ أي بمَا أقام لَهم من البراهينِ على ذلك.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ }؛ أي لا تَكُونَنَّ يا مُحَمَّدُ من الشَّاكِّيْنَ في أنَّهم يعلمونَ ذلك. ويقالُ: هذا خطابٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم والمرادُ به غيرُه، كأنه قال: لا تَكُونَنَّ أيها الجاهلُ بأَمْرِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم من الشَّاكِّينَ في أمرهِ. وقرأ الحسنُ والأعمش وابنُ عامرٍ وحفصُ: (مُنْزَّلٌ) بالتشديدِ من التَّنْزِيْلِ؛ لأنه أنْزِلَ نُجُوماً مرَّةً بعد مرَّةٍ، وقرأ الباقونَ بالتخفيفِ من الإنْزَالِ.