الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَ ثْمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ }؛ قال كعبُ الأحبار: وأوَّل مفتاحِ التوراة (الحمدُ لله الذي خلقَ السماواتِ والأرضَ)، وخاتِمتُها خاتِمة سورة هُودوَللَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [هود: 124]. قال مقاتلُ: (قَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ رَبُّكَ؟ قََالَ: { ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } فَكَذَبُوهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى حَامِداً نَفْسَهُ دَالاً عَلَى تَوْحِيْدِهِ: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } أي خلقَ السَّماوات بما فيها من الشَّمسِ والقمر والنجومِ، والأرضَ بما فيها من البَرِّ والبحر؛ والسَّهلِ والجبل؛ والنَّباتِ والشجَر، خلقَ السماوات وما فيها في يومين؛ يومِ الأحدِ ويوم الاثنين؛ وخلقَ الأرضَ وما فيها في يومين؛ يومِ الثلاثاء ويوم الأربعاء.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَ }؛ قال السديُّ: (ظُلْمَةَ اللَّيْلِ وَنُورَ النَّهَار). وقال الواقديُّ: (كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّور فَهُوَ الْكُفْرُ وَالإيْمَانُ؛ إلاَّ فِي هَذِهِ الآيَةِ فَإِنَّهُ يُرِيْدُ بهِ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ). قال قتادةُ: (يَعْنِي الْجَنَّةَ وَالنَّارَ). وقال الحسنُ: (يَعْنِي الْكُفْرَ وَالإيْمَانَ).

وقيل: خلقَ الليلَ والنهار لمصالحِ العباد؛ يستريحون باللَّيل ويبصرون معايشَهم بالنهار. وإنَّما جَمَعَ (الظُّلُمَاتِ) ووحَّدَ (النُّورَ) لأن النورَ يتعدَّى، والظلمةَ لا تتعدَّى.

وقال أهلُ المعانِي: (جَعَلَ) ها هنا صلةٌ؛ والعربُ تزيد (جَعَلَ) في الكلامِ كقول الشاعرِ:
وَقَدْ جَعَلْتُ أَرَى الاتْنَيْنَ أرْبَعَةً   وَالْوَاحِدَ اثْنَيْنِ لَمَّا هَدَّنِي الْكِبَرُ
وتقديرُ الآية: { ٱلْحَمْدُ للهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } والظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ. وقيلَ: معناهُ: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ)؛ لأنه خَلَقَ الظلمةَ والنورَ قبل السماواتِ والأرض. وقال قتادةُ: (خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ قَبْلَ الأَرْضَ، وَالظُّلْمَةَ قَبْلَ النُّور، وَالْجَنَّةَ قَبْلَ النَّار).

وقال وهبُ: (أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ مَكَاناً مُظْلِماً، ثُمَّ خَلَقَ جَوْهَرَةً فَأَضَاءَتْ ذلِكَ الْمَكَانَ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى الْجَوْهَرَةِ نَظَرَ الْهَيْبَةِ، فَصَارَتْ مَاءً وَارْتَفَعَ بُخَارُهَا وَنبَذ زَبَدُهَا، فَخَلَقَ مِنَ الْبُخَار السَّمَاواتِ؛ وَمِنَ الزَّبَدِ الأرْضِيْنَ).

قَوْلُهُ عَزَّ وَجََلَّ: { ثْمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ }؛ أي { ثْمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بَعْدَ هذا البيانِ { بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } الأوثانَ؛ أي يُشْرِكُونَ. وقيل: معناهُ: { يَعْدِلُونَ } أي يجعلون لله عَدِيْلاً ويعبدون الحجارةَ والأموات؛ وهم يُقِرُّونَ بأنَّ اللهَ خالقُ هذه الأشياءِ، فالأصنامُ لاَ تَعْقِلُ شيئاً من ذلك.