الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَأَتَاهُمُ ٱللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي ٱلْمُؤْمِنِينَ فَٱعْتَبِرُواْ يٰأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ } * { وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمُ ٱلْجَلاَءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابُ ٱلنَّارِ } * { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَآقِّ ٱللَّهَ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

قَولُهُ تَعَالَى: { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ }؛ قال المفسِّرون: " نزَلت هذه الآيةُ والسُّورة بأَسرِها في بني النَّضير واليهودِ، وعاهدوهُ أن لا يكُونوا معَهُ ولا عليهِ، لا يُقاتِلون معه ولا يقاتلونَهُ، فكانوا على ذلكَ حتى كانت وقعةُ أحُدٍ، فأصابَتِ المسلمين يومئذٍ نَكْبَةٌ، فنقَضُوا العهدَ، ورَكِبَ كعبُ ابن الأشرَفِ في أربَعين راكباً إلى مكَّة، فأتَوا قُريشاً فطلَبُوا إلى أبي سُفيان وأصحابهِ فحالَفُوهم وعاقَدُوهم بين الكعبةِ والأستار على حرب النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأنَّ كلمَتَهم واحدةٌ.

ثم رجعَ كعبُ بن الأشرف وأصحابهُ إلى المدينةِ. فنَزل جبريلُ عليه السلام على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأخبرَهُ بأمرِهم وقال له: " إنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ بقَتْلِ كَعْب بْنِ الأَشْرَفِ " فَجَمَعَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أصْحَابَهُ وَأخْبَرَهُمْ بمَا صَنَعَ كَعْبُ بْنُ الأَشْرَفِ وَقَالَ لَهُمْ: " إنَّ اللهَ أمَرَنِي بقَتْلِهِ، فَانْتَدِبُوا إلَى ذلِكَ ".

فَانْتَدَبَ رَهْطٌ مِنْهُمْ وَفِيْهِمْ مُحَمَّدُ بْنُ مَسلَمَةَ، وَكَانَ أخَا كَعْبٍ مِنَ الرِّضَاعَةِ وَحَلِيفَهُ، فَانْطَلَقُوا فِي أوَّلِ اللَّيْلِ إلَى دَار كَعْبٍ، فَنَادَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَاسْتَنْزَلَهُ مِنْ دَارهِ، وَأوْهَمَهُ أنَّهُ يُكَلِّمُهُ فِي حَاجَةٍ، فَلَمَّا نَزَلَ أخَذ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ بنَاصِيَتِهِ وَكَبَّرَ، فَخَرَجَ أصْحَابُهُ وَكَانُواْ مِنْ وَرَاءِ الْحَائِطِ، فَضَرَبُوهُ حَتَّى بَرُدَ مَكَانُهُ، فَصَاحَتْ امْرَأتهُ وَتَصَايَحَتِ الْيَهُودُ، فَخَرَجُوا إلَيْهِمْ وَقَدْ رَجَعَ الْمُسْلِمُونَ.

فَجَاءَ الْمُسْلِمُونَ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأخْبَرُوهُ بذلِكَ، فَلَمَّا أصْبَحَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إلَيْهِمْ غَازياً، فَتَحَصَّنُوا فِي دُورهِمْ فَوَجَدَهُمْ فِي قَرْيَةٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهَا (زَهْوَةُ) وَهُمْ ينُوحُونَ عَلَى كَعْبٍ وَكَانَ سَيِّدَهُمْ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ؛ بَاغِيَةٌ عَلَى إثْرِ نَاعِيَةٍ، وَبَاكِيَةٌ عَلَى إثْرِ بَاكيَةٍ؟ قَالَ: " نَعَمْ " قَالُوا: ذرْنَا نَبْكِي شَجْواً عَلَى كَعْبٍ.

وَقَدْ كَانَ عَبْدُاللهِ بْنُ أبي سَلُولٍ الْمُنَافِقُ وَأصْحَابُهُ أمَرَ إلَى الْيَهُودِ سِرّاً بأَنْ لاَ تَخْرُجُوا مِنَ الْحِصْنِ، وَقَاتِلُواْ مُحَمَّداً وَأصْحَابَهُ، فَإنْ قَاتَلُوكُمْ فَنَحْنُ مَعَكُمْ وَلاَ نُخْذُلُكُمْ وَلَنَنْصُرَنَّكُمْ، وَلَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ. فَدَرَبُواْ عَلَى الأَزقَّةِ وَحَصَّنُوهَا، فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إحْدَى وَعِشْرِينَ لَيْلَةً.

فَلَمَّا عَجَزُوا عَنْ مُقَاوَمَةِ الْمُسْلِمِينَ وَآيَسُوا مِنْ نَصْرِ الْمُنَافِقِينَ لَهُمْ طَلَبُوا الصُّلْحَ، فَأَبَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلاَّ أنْ يَخْرُجُواْ مِنْ مَدِينَتِهِمْ عَلَى مَا يَأْمُرُهُمْ بهِ، فَقَبلُوا ذلِكَ، فَصَالَحَهُمْ عَلَى الْجَلاَءِ، وَعَلَى أنْ يَحْمِلَ كُلُّ أهْلِ ثَلاَثَةِ أبْيَاتٍ مِنْ مَتَاعِهِمْ عَلَى بَعِيرٍ وَاحِدٍ مَا شَاءَ، وَلِنَبيِّ اللهِ مَا بَقِيَ، وَيَخْرُجُوا, إلَى الشَّامِ، فَفَعَلُوا ذلِكَ وَخَرَجُواْ إلَى الشَّامِ إلَى أذْرُعَاتٍ وَأريحَا وَالْحِيرَةَ وَخَيْبَرَ.

فذلكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } " يعني بني النَّضير من ديارهم التي كانت بيَثرِبَ وحصونِهم.

السابقالتالي
2 3