الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَٱحْفَظُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ }؛ قال ابن عبَّاس: (هُوَ أنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ باللهِ فِي الشَّيْءِ يَرَى أنَّهُ كَذلِكَ). وقالت عائشةُ: (هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ: لاَ وَاللهِ، وَبَلَى واللهِ، يَصِلُ بهِ كَلاَمَهُ وَلاَ يَعْقِدُ عَلَيْهِ قَلْبَهُ). واللَّغْوُ في اللغة: هو الكلامُ الساقطُ الذي لا يعتدُّ به.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَانَ }؛ أي بما وكَّدتم الأيمان. قرأ أهلُ الحجاز وحفص وأبو عمرو: (عَقَّدْتُمْ) بالتشديدِ، وقرأ أهلُ الكوفة إلاَّ حفصاً: بالتخفيف (عَقَدْتُمْ). ومعناه: أن يحِلفَ الرجلُ على أمرٍ في المستقبل ليفعلَهُ ثم لا يفعلهُ، أو يحلفَ أن لا يفعلَهُ ثم يفعلهُ. فمَن قرأ (عَقَّدْتُمْ) بالتشديدِ فمعناهُ المبالغة والتأكيدُ. وفائدتهُ أن يعتقدَها في قلبهِ، ولو عقدَها في أحدِهما دون الآخرِ لم يكن مُعتقداً، وهو كالتعظيمِ.

وكان أبو الحسنِ الكرخيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى يقول: (قِرَاءَةُ التَّشْدِيدِ لاَ تَحْتَمِلُ إلاَّ الْعَقْدَ بالْقَوْلِ، وَقِرَاءَةُ التَّخْفِيفِ تَحْتَمِلُ عَقْدَ الْقَلْْب، وَهُوَ الْعَزِيْمَةُ وَالْقَصْدُ إلَى الْقَوْلِ). ويحتملُ عقد اليمينِ قَولاً؛ يقال: عقدتُ على أمرِ كذا؛ إذا عزمتُ عليه.

وَقِيْلَ: الأصحُّ أن المرادَ بالعقدِ القولُ؛ لأنه لا خلافَ بين الأئمَّة أن القصدَ من اليمينِ لا يتعلقُ به وجوبُ الكفَّارة، وإن وجوبَها متعلقٌ باللفظِ دون القصدِ. ويحتملُ أن يكون معنى التشديدِ: أنه متى أعادَ اليمينَ على وجه التكرار، وهو يريدُ التكرارَ لا يلزمهُ إلا كفارةٌ واحدة.

وقرأ أهلُ الشام: (عَاقَدْتُمْ) بألف وهو من المعاقَدة، وهو أن يحلفَ الرجلُ لصاحبهِ على مسأَلته، أو يحلفَ كلُّ واحد منهما لصاحبهِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَكَفَّارَتُهُ }؛ أي كفَّارة ما عقَّدتُم من الأيمانِ عند الحنثِ، { إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ }؛ أي مِنْ أعدل مَا تُطْعِمُونَ أهْلِيكُمْ غداءً وعشاء ولا وكَسَ ولا شَطَطَ.

وَقِيْلَ: معناهُ: من أوسَطهِ في الشَّبع، ولا تفرطُ في الأكلِ، ولا يكون دون المغنى عن الجوعِ، فإن أرادَ أن يُطعِمَهم الطعامَ أعطَى لكلِّ مسكين نصفَ صاعٍ من حنطة عند أصحابنا، هكذا رُوي عن عمرَ وعليٍّ وعائشة. وقال الشافعيُّ ومالك: (مُدّاً بمُدِّ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم).

وَالْمُدُّ: رَطْلٌ وَثُلُث، وهكذا رُوي عن زيدِ بن ثابت وابنِ عبَّاس وابن عمرِو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أجمعين. وأما غدَاؤهم وعشاؤهم فلا عبرةَ بمقدار الطعام، إلا أن يكون فيهم صبيٌّ صغير لا يستوفِي الأشياءَ يسيراً فلا يعتدُّ به حينئذ، وإنما قال: يُغَدِّيهِمْ ويُعَشِّيهم؛ لأن ذلك أوسطُ طعامِ الأهل؛ لأن أكثرَ الأكلِ ثلاثُ مرات، وأقلُّه وجبة، والغالبُ الأوسط؛ والأوسطُ الغالب مرَّتان. وقال سعيدُ بن جبير: (يُعْطِي لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّيْنِ؛ مُدٌّ لِطَعَامِهِ وَمُدٌّ لإدَامِهِ).

وسُئل شريح عن الكفَّارة؛ فقال: (الْخُبْزُ وَالزَّيْتُ). فقال له السائلُ: رأيتَ إن أطعمتُ الخبزَ واللحم، فقال: (ذَلِكَ أرْفَعُ طَعَامِ أهْلِكَ وَطَعَامِ النَّاسِ).

السابقالتالي
2