الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّا نَصَارَىٰ ذٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ }

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ }؛ أي لتجدنَّ يا مُحَمَّدُ أشدَّ الناسِ عداوةً لكَ وللذين آمَنُوا اليهودَ، وهم يهودُ بني قُريظَة وبني النضير وفدك وخيبرَ، كانوا أشدَّ اليهودِ عداوةً للنبيِّ صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين. ورُوي عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنه قالَ: " مَا خَلاَ يَهُودِيَّانِ بمُسْلِمٍ إلاَّ هَمَّا بقَتْلِهِ " قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } يعني مُشركي العرب كانوا في العداوةِ مثلَ اليهودِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّا نَصَارَىٰ }؛ لم يرِدْ جميعَ النَّصارى مع ما هم فيه من عداوةِ المسلمين، وتخريب بلادِهم وهدمِ مساجدهم وقتلِهم وأسرِهم وأخذِ مصاحفهم. وإنما نزَلت هذه الآيةُ في النجاشيِّ وأصحابهِ. قال ابنُ عبَّاس وسعيدُ بن جبير والسديُّ: (نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي النَّجَاشِيِّ وَأَصْحَابِهِ، وَكَانَ النَّجَاشِيُّ مَلِكَ الْحَبَشَةِ نَصْرَانِيّاً قَبْلَ ظُهُور الإسْلاَمِ، ثُمَّ أسْلَمَ هُوَ وَأصْحَابُهُ).

قال المفسرون: ائتمَرَتْ قريشُ أن يَفِتنُوا المسلمين عن دِينهم، فوثَبتْ كلُّ قبيلةٍ على مَن فيهم مِن المسلمين، يؤذونَهم ويعذِّبونَهم فافتتنَ كثيرٌ، وعَصَمَ اللهُ من شاءَ منهم، ومنَعَ اللهُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعمِّه أبي طالبٍ، فلمَّا رأى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ما بأصحابهِ، ولم يقدِرْ على مَنعِهم ولم يُؤمَرْ بالجهادِ، أمرَهم بالخروجِ إلى أرضِ الحبشةِ، وقَالَ: " إنَّ بهَا مَلِكاً صَالِحاً لاَ يَظْلِمُ وَلاَ يُظْلَمُ عِنْدَهُ أحَدٌ، فَاخْرُجُوا إلَيْهِ حَتَّى يَجْعَلَ اللهُ لِلمُسْلِمِينَ فَرَجاً " ، وأرادَ به النجاشيَّ واسمهُ أصْحَمَةُ، وهوَ بالحبشيَّة عطيَّة، وإنما النجاشيُّ اسمُ الملكِ، كقولهِم: كِسرَى وقَيصَرَ.

فخرجَ إليه سِرّاً أحدَ عشر رجلاً وأربعُ نسوةٍ، وهم عثمانُ بن عفَّان وامرأتهُ رُقَيَّةُ بنتُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، والزُّبير، وعبدُالله بن مسعودٍ، وعبدُالرحمن بن عَوفٍ، وأبو حُذيفة بن عقبةَ وامرأتهُ سَهلَةُ بنت سُهيل، ومصعبُ بن عُمَير، وأبو سَلَمَة وامرأتهُ أمُّ سَلمة، وعثمانُ بن مظعونٍ، وعامرُ بن رَبيعة وامرأتهُ لَيلَى بنتُ جَثْمَةَ، وحَاطبُ بن عمرَ، وسُهيل بن بيضاءَ. فخرَجُوا إلى البحرِ وأخَذُوا سفينةً بنصفِ مثقالٍ إلى الحبشةِ، وذلك في رَجب في السَّنة الخامسةِ من عهد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الهجرةُ الأُولى.

ثم خرجَ جعفرُ بن أبي طالبٍ وتتابعَ المسلمون، وكان جميعُ مَن هاجرَ إلى الحبشةِ من المسلمين اثنينِ وثَمانين رجُلاً سوَى النِّساء والصبيان، فلما عِلمَتْ قريشُ بذلك وجَّهت عمرَو بن العاصِ وصاحبَهُ بالهدايا إلى النجاشيِّ وإلى بَطَارقَتِهِ ليردُّوهم إليهم، فعصمَهم اللهُ تعالى، وقد ذكرنا هذه القصَّة في سورةِ آل عِمرانَ.

فلمَّا انصرفَا خَائِبَين أقامَ المسلمون هناك بخيرِ دارٍ وأحسنِ جوار إلى أن هاجرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وعَلاَ أمرهُ، وذلك في سَنة ستٍّ من الهجرةِ.

السابقالتالي
2 3