الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَٱطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىۤ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ ٱلْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ }؛ قال ابنُ عبَّاس وجماعةٌ من المفسِّرين: (مَعْنَاهُ: إذا أرَدْتُمُ الْقِيَامَ إلَى الصَّلاَةِ، وَإنَّمَا أضْمَرُواْ إرَادَةَ الْقِيَامِ؛ لأنَّ صِحَّةَ قِيَامِ الصَّلاَةِ بالطَّهَارَةِ فَلاَ يَصُحُّ جُزْءٌ مِنَ الْقِيامِ قَبْلَ تَقَدُّمِ الطَّهَارَةِ).

وظاهرُ الآية يقتضي أنَّ القيامَ إلى الصلاةِ يكون سَبَباً لوجوب الطَّهارةِ، ولا خلافَ بين السَّلَفِ والْخَلَفِ أنَّ الطهارةَ لا تجبُ سبب القيام إلى الصَّلاةِ، إلاّ أنه رُويَ عن ابن عُمَرَ وَعليٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: (أنَّهُمَا كَانَا يَتَوَضَّأَنِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ، وََيَقْرَآنِ هِذِهِ الآيَةَ). فيحتمل أنَّهما كانا يفعلان ذلك نَدْباً واستحباباً، فإنْ تَجديدَ الطَّهارةِ لكلِّ صلاةٍ مستحبٌّ. وقد روي عن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنهُ قالَ: " مَنْ تَوَضَّأَ فَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ مَا لَمْ يُحْدِثْ " وَقَالَ: " لاَ وُضُوءَ إلاَّ مِنْ حَدَثٍ " فَثَبَتَ أن في الآيةِ إضمارٌ آخر تقديرهُ: أذا أرَدْتُمْ القيامَ إلى الصلاةِ وأنتم مُحْدِثُونَ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ، وهذا نظيرُ قولهِ تعالى:فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [البقرة: 184] معناه: فَأَفْطَرَ فَعَلَيْهِ عدَّةٌ مِن أيَّامٍ أخُرَ، وقولهُ:فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ } [البقرة: 196] معناه فَحَلَقَ فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ. وقال بعضُهم: معنى الآيةِ: إذاَ قُمْتُمْ من نَوْمِكُمْ إلى الصَّلاةِ، وقال: هذا على أنَّ النومَ في حالةِ الاضطجاع حَدَثٌ.

قولُهُ تَعَالَى: { فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ } الغَسْلُ: إجْرَاءُ الْمَاءِ عَلَى المَحَلِّ وَتَسْييْلُهُ، سَوَاءٌ وُجِدَ مَعَهُ الدَّلْكُ أمْ لاَ، وَالْوَجْهُ: مَا يُوَاجِهُكَ مِنَ الإنْسَانِ، وَحَدُّهُ مِن قِصَاصِ الشَّعْرِ إلى أسفلِ الذقْنِ، ومِن شَحْمَتَي الأُذُنِ إلى شَحْمَتَي الأُذُنِ. وظاهرُ الآيةِ يقتضي أنَّ المضمضةَ والاستنشاقَ غيرُ واجبتينِ في الوضوءِ، لأن اسمَ الوجهِ يتناولُ الظاهرَ دون الباطنِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ } أي مع المرافقِ، هكذا قال علماؤُنا رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى، إلاّ زُفَرَ رَحِمَهُ اللهُ؛ فإنهُ ذهبَ إلى ظاهرِ الآية وقال: (إنَّ حَرْفَ (إلَى) لِلْغَايَةِ، وَالْغَاَيَةُ لاَ تَدْخُلُ فِي الْحُكْمِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَىثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّليْلِ } [البقرة: 187]). وأمَّا عامَّةُ العلماءِ فقالوا: إنَّ (إلى) تُذْكَرُ بمعنى (مَعَ) كما قالَ تعالىوَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ } [النساء: 2]، فاذا احتملَ اللفظُ الغايةَ واحتملَ معنى المقارنةِ حَلَّ مَحَلَّ الْمُجْمَلِ، فَكَانَ مَوْقُوفاً عَلَى بَيَانِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وقد روي: " أنَّهُ كَانَ إذا تَوَضَّأَ أدَارَ الْمَاءَ عَلَى مِرْفَقَيْهِ " ، فصار فعلهُ بياناً للمجملِ، فحُمِلَ على الوُجُوب.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ } اختلفَ العلماءُ في مقدار وجوب الْمَسْحِ منه، فذهبَ مالكٌ إلى أنَّ مسحَ جميعِ الرأسِ واجبٌ، وقال: (ظَاهِرُ الآيَةِ يَقْتَضِي الْجَمِيْعَ دُونَ الْبَعْضِ، لأنَّكَ إذا قُلْتَ: مَرَرْتُ بزيدٍ؛ أردتَ جُمْلَتَهُ لاَ بَعْضَهُ، وَمِثْلُ ذلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:

السابقالتالي
2 3 4