الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَاسِقُونَ }

وقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ }؛ معناه: أنزَلنا إليكَ الكتابَ بالحقِّ، وبأن تحكُمَ بين اليهودِ بما أنزلَ اللهُ من رجمِ الزانِي المحصِن، والقِصاصِ بين الشَّريف والوضيعِ، ولا تعمَلْ بهواهُم في الْجَلْدِ، وتركِ الرَّجمِ، { وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ }؛ أي أن يَستَزِلُّوكَ عن بعضِ ما بيَّن اللهُ في كتابهِ.

قال ابنُ عبَّاس: (وَذلِكَ أنَّ يَهُودَ بَنِي النَّضِير مِثْلَ ابْنِ صُوريَّا وَكَعْب بْنِ أسَدٍ وَغَيْرِهِمْ، قَالُوا فِيْمَا بَيْنِهِمْ: اذْهَبُوا بنَا إلَى مُحَمَّدٍ لَعَلَّنَا نَفْتِنُهُ عَنْ دِينِهِ، فَإنَّمَا هُوَ بَشَرٌ! فَأَتَوْهُ فَقَالُواْ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ إنَّكَ قَدْ عَرَفْتَ أنَّا أحْبَارُ الْيَهُودِ وَأشْرَافُهُمْ وَسَادَاتُهُمْ، وَإنَّا إنِ اتَّبَعْنَاكَ اتَّبَعَكَ كُلُّهُمْ وَلَنْ يُخَالِفُونَا، وَإنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا خُصُومَةً فَنُحَاكِمُهُمْ إلَيْكَ فَاقْضِ لَنَا عَلَيْهِمْ فَنُؤْمِنُ بكَ، فَأَبَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ حَرِيصاً عَلَى إسْلاَمِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى { وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ } ).

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم }؛ أي إنْ أعرَضُوا عن حُكمِكَ، فاعلم إنَّما يريدُ الله أنْ يُعَاقِبَهم بالقتلِ في بني قُريظَةَ، وَبالْجَلاَءِ إلَى الشَّامِ فِي بَنِي النَّضِيرِ، { بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ }؛ أي بمَا سلَفَ من ذُنوبهم، وهو جُحودهم لدِينِكَ ونَعْتِكَ وصفتِكَ والتوراةِ والإنجيلِ، { وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَاسِقُونَ }؛ أي خارجون عن الطاعةِ ناقِضُون للعهدِ.