الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ وَٱلأَنْفَ بِٱلأَنْفِ وَٱلأُذُنَ بِٱلأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ }

قَوْلُهُ عَزَّ وَجّلَّ: { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ وَٱلأَنْفَ بِٱلأَنْفِ وَٱلأُذُنَ بِٱلأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ }؛ قال ابنُ عبَّاس: (نزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي الْجِرَاحَاتِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَبَنِي النَّضِيرِ، كَانَ لِبَنِي النَّضِيرِ مَقْتَلٌ عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، وَالَدِّيَةُ وَالدَّمُ ضِعْفُ مَا كَانَ لِبَني قُرَيْظَةَ) فأنزلَ اللهُ هذه الآيةَ.

ومعناها: وأوحَينا على بني إسرائيلَ في التَّوراة: { أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ } يعني أن نفسَ القاتلِ بنفسِ المقتول وَفاءً، { وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ } بفَقْئِهِمَا، { وَٱلأَنْفَ بِٱلأَنْفِ } يُجدع بهِ، { وَٱلأُذُنَ بِٱلأُذُنِ } يُقطَعُ به { وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ } يُقلَعُ بهِ، وخفَّفَ نافعُ الأُذُنَ في جميعِ القرآن، وثقَّلَهُ غيرهُ.

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ }؛ أي يجزئُ فيها القصاصُ، والقِصَاصُ: عبارةٌ عن الْمُسَاوَاةِ، وهذا مخصوصٌ فيما يُمكن القِصَاصُ فيه، فأمَّا ما كان من رضَّةٍ أو هَشْمَةٍ لعظمٍ، وهذه ركنٌ لا يحيطُ العلمُ به، ففيه أرْشٌ أو حكومةٌ.

قرأ الكسائيُّ: (وَالْعَيْنُ) رَفعاً إلى آخرهِ، وكذلك قولهُ (وَالْجُرُوحُ) رفعَهُ ابنُ كثير وأبو عمرٍو وابنُ عامرٍ، ونصَبُوا سائرَ الحروفِ قبلَهُ، قالوا: لأَنَّ لَهَا نَظَائِرَ فِي الْقُرْآنِ؛ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى:أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيۤءٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ } [التوبة: 3] وإِنَّ ٱلأَرْضَ للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } [الأعراف: 128] ووَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَٱلسَّاعَةُ } [الجاثية: 32]. وقرأ نافعُ وعاصم وحمزة وخلفُ كلها بالنصب.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ }؛ أي مَن عفَا عن مَظْلَمَةٍ في الدُّنيا، فهو كفَّارةٌ للجراحِ لا يؤاخَذُ به في الآخرة، كما أنَّ القصاصَ كفَّارةٌ له، وأما أجرُ العَافِي فعلى اللهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى:فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ } [الشورى: 40] وهذا قولُ إبراهيم ومجاهد وزيد بن أسلم، وروايةٌ عن ابنِ عباس.

وَقِيْلَ: معناهُ: فهو كفَّارة للمجروحِ وولِيِّ القتيلِ، وهو قولُ ابنِ عمرَ والحسن والشعبي وقتادة وجابر بن زيد. ودليلُ هذا قولهُ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ تَصَدَّقَ مِنْ جَسَدِهِ بشَيْءٍ كَفَّرَ اللهُ بقَدْرهِ مِنْ ذُنُوبهِ " فمَن عفا كان عفوهُ كفارةً لذُنوبِه يعفو عنه الله ما أسلفَ من ذُنوبه، وأما الكافرُ إذا عفَا لا يكون عفوهُ كفارةً له مع إقامتهِ على الكفر. وقال صلى الله عليه وسلم: " مَنْ أُصِيبَ بشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ فَتَرَكَهُ للهِ كَانَ كَفَّارَةً لَهُ "

ورُوي: أنَّ رجلاً طَعَنَ رَجُلاً على عهدِ معاويةَ رضي الله عنه؛ فأعطَوهُ دِيَتَيْنِ على أن يرضَى، فلم يَرْضَ، فحدَّث رجُلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قالَ: " مَنْ تَصَدَّقَ بدَمٍ فَمَا دُونَهُ كَانَ كَفَّارَةً لَهُ مِنْ يَوْمِ وُلِدَ إلَى يَوْمِ تَصَدَّقَ بهِ " فَتَصَدَّقَ بهِ. وقال صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2