الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قولهُ عَزَّ وَجَلَّ: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ }؛ الْمَيْتَةُ: اسمٌ لِكُلِّ ذِي رُوحٍ فَارَقَهُ رُوحُهُ حَتْفَ أنْفِهِ، والمرادُ بالدَّمِ: الدَّمُ الْمَسْفُوحُ، وحُرِّمَ عليكُم لَحْمُ الْخِنْزِيْرِ لِعَيْنِهِ لا لكونهِ ميتةً حتى لا يحلَّ تناولهُ مع وجودِ الذكاةِ فيه.

وفائدةُ تخصيصِ لَحْمِ الْخِنْزِيْرِ بالْذِّكْرِ دونَ لحمِ الكلب وسائرِ السَّباعِ: أنَّ كثيراً من الكُفَّار ألِفُوا لحمَ الْخِنْزِير، واعتادُوا أكلَهُ وأوْلِعُوا به ما لَمْ يعتادُوا بهِ أكلَ غيرهِ. وَقِيْلَ: فائدتهُ: أنَّ مُطْلَقَ لفظِ التحريم يدلُّ على نجاسةِ عَيْنِهِ مع حُرْمَةِ أكلهِ، ولحمُ الخنْزِيرِ مختصٌ بهذا الحُكْمِ؛ وذلكَ: أنَّ سائرَ الحيواناتِ الْمُحَرَّمِ أكلُها إذا ذُبحَتْ كان لحمُها طاهراً لا يفسدُ الماءُ إذا وقعَ فيه، وإنْ لم يَحِلَّ أكلهُ بخلافِ لحم الْخِنْزِيْرِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } أي وحُرِّمَ عليكم ما ذُكِرَ عليه عندَ الذبْحِ اسمُ غيرِ الله، وذلك أنَّهم كانوا يذبحونَ لأصنامِهم يتقرَّبون بذبْحِها إليهم، فََحَرَّمَ اللهُ كلَّ ذبيحةٍ يُتَقَرَّبُ بذبحِها إلى غيرِ الله تعالى، ولذلك قالَ الفُقَهَاءُ: إنَّ الذابحَ لو سَمَّى النبيَّ صلى الله عليه وسلم معَ اللهِ تعالى فقالَ: بسمِ اللهِ ومُحَمَّدٍ؛ حَرُمَتِ الذبيْحَةُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ }؛ أي حُرِّمَ عليكم أكلُ لحم الْمُنْخَنِقَةِ؛ وهي التي تَنْخَنِقُ بحَبْلٍ أوْ شَبَكَةٍ فَتَمُوتُ مِنْ غَيْرِ ذكَاةٍ، وأمَّا الْمَوْقُوذةُ؛ فهي الْمَضْرُوبَةُ بالْخَشَب حتَّى تَمُوتَ، قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ } هي التي تَتَرَدَّى من جَبَلٍ أو سَطْحٍ أو فِي بئْرٍ فَتَمُوتُ قَبْلَ الذكَاةِ. وَالتَّرَدِّي: هُوَ السُّقُوطُ، مأخوذٌ من الرِّدَاءِ وهو الْهِلاَكُ، قال صلى الله عليه وسلم لِعَدِيِّ بْنِ حَاتَمٍ: " إذا تَرَدَّتْ رَمْيَتُكَ مِنْ جَبَلٍ فَوَقَعَتْ فِي مَاءٍ فَلاَ تَأْكُلْ؛ فَإنَّكَ لاَ تَدْري أسَهْمُكَ قَتَلَهَا أمِ الْمَاءُ "

فصارَ هذا الكلامُ أصلاً في كلِّ موضعٍ اجتمعَ فيه معنيان: أحدُها حَاظِرٌ، والآخرُ مبيحٌ فأنَّهُ تَغْلُبُ جِهَةُ الْحَظْرِ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: " الْحَلاَلُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أمُورٌ مُشَبَّهَةٌ، فَدَعْ مَا يُرِيْبُكَ إلَى مَا لاَ يُرِيْبُكَ، ألاَ وَإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمىً، وَإنَّ حِمَى اللهِ مَحَارمُهُ، فَمَنْ رَتَعَ حَوْلَ الْحِمَى يُوْشِكُ أنْ يَقَعَ فِيْهِ " وعن عمرَ رضي الله عنه أنه قالَ: (كُنَّا نَدَعُ تِسْعَةَ أعْشَار الْحَلاَلِ مَخَافَةَ الرِّبَا).

قوله عزّ وَجَلَّ: { وَٱلنَّطِيحَةُ }؛ هي التي تُنْطَحُ حتى تَموتَ، وإذا تناطحتِ الحيواناتُ فَقَتَلَ بعضُها بعضاً في النِّطَاحِ فهي حرامٌ بالآية، قال ابنُ عبَّاس: (كَانَ أهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَخْنُقُونَ الشَّاةَ حَتَّى إذا مَاتَتْ أكَلُوهَا وَكَذلِكَ الْمَوْقُوذةُ)، قال قتادةُ: (كَانَ أهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَضْرِبُونَ الشَّاةَ بالبَعْضِ حَتَّى إذا مَاتَتْ أكَلُوهَا)، يقالُ منهُ: وَقَدَهُ يَقِدُهُ إذا ضَرَبَهُ حتى أشفاَ على الهلاكِ. قال الفَرَزْدَقُ:
شَغَارَةٌ تَقِذُ الْفَصِيلَ برجْلِهَا   فَطَّارَةٌ لِقَوَادِم الأَبْكَار

السابقالتالي
2 3 4