قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ }؛ معناهُ: واذكُروا أيُّها المؤمنون { إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى } ، ويجوز أنْ يكون عَطفاً على قولِهِ: { يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ } تقديرهُ: إذ يقولُ الله: يا عيسَى بنَ مريَم، إلاَّ أنه ذكرَهُ بلفظ الماضِي لتقديم ذكرِ الوقت. ومعنى الآيةِ: أظْهِرْ مِنَّتِي عليكَ بالنبوَّة وعلى أمِّك بأن طهَّرتُها واصطفيتُها على نساءِ العالَمين؛ ليكون حجَّة على من كَفَرَ وادَّعاكَ إلهاً، فيكون ذلك حسرةً وندامةً عليهم يومئذٍ. والفائدةُ في ذكرِ أمِّهِ: أنَّ الناس تكلَّمُوا فيها كما تكلَّمُوا فيه. ثم عدَّ الله نِعمَةً نعمةً: { إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ }؛ أعَنتُكَ وقرَّبتُكَ بجبريلَ الطاهر حين حاولَتْ بني إسرائيل قتلَكَ، ويقال: أيَّدتُكَ به في الحجَّة في كلِّ أحوالِكَ. وقوله تعالى: { يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ } انتصبَ (ابْنَ مَرْيَمَ) لأنه مُنادَى مضافٌ؛ أي يا عيسى يا ابنَ مريمَ، قَوْلُهُ تَعَالَى: { ٱذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ } معناهُ: اذكر نِعمَتي، لفظة واحدةٌ ومعناها الجمعُ، كقوله تعالى:{ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا } [إبراهيم: 34] أي نِعَمَ اللهِ، لأنَّ العددَ لا يقعُ على الواحدِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: { تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً }؛ أي تكلِّمُ الناسَ في حِجْرِ أمِّكَ في حالِ صِغَرِكَ، وتخاطبُهم كَهلاً بعد ثلاثين سَنة، على صفةٍ واحدة واحداً واحداً، وذلك من أعظمِ الآيات. ويقال: أرادَ بالمهدِ الذي يُربَّى فيه الطفلُ حين قال لَهم وهو في المهدِ:{ إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً } [مريم: 30]. قال الكلبيُّ: (مَكَثَ فِي رسَالَتِهِ بَعْدَ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً ثَلاَثِينَ شَهْراً، ثُمَّ رَفَعَهُ اللهُ إلَيْهِ). وَقِيْلَ: ثلاثَ سنين، ثم رُفع إلى السَّماء وهو ابنُ ثلاثٍ وثلاثين سَنة. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَإِذْ عَلَّمْتُكَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ }؛ أي علَّمتُكَ كُتبَ الأنبياء قبلَك والفهمَ، ويقال: أرادَ بالكتاب الخطَّ بالقلمِ، وأرادَ بالحكمةِ كلَّ صوابٍ منهنَّ من قول أو فعلٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ بِإِذْنِي }؛ معناهُ: إذ تُصوِّرُ من الطينِ كَشِبهِ الْخُفَّاشِ بأمرِي، { فَتَنفُخُ فِيهَا }؛ أي في الهيئةِ، { فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي }؛ يطيرُ بين السَّماء والأرضِ بأمرِ الله، ويكون النفخُ كنفخِ الرَّاقِي. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَتُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ وَٱلأَبْرَصَ بِإِذْنِي }؛ الأكمَهُ: الذي وُلد أعمَى، والأَبْرَصُ: الذي لا تعالِجهُ الأطبَّاء، وهو الذي إذا غُرزَ الإبرةَ لا يخرجُ منه الدَّم. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَإِذْ تُخْرِجُ ٱلْمَوتَىٰ بِإِذْنِيِ }؛ أي الموتَى تخرِجُهم من قُبورهم احياءَ بإرادتِي، والمرادُ أنَّ الله تعالى كان يأذنُ له في المسألةِ والدُّعاء، فيقعُ ذلك عن اللهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَنكَ }؛ معناه وإذ صَنعتُ (صَرَفْتُ) أولادَ يعقوب عنكَ حين هَمَّوا بقتلِكَ، { إِذْ جِئْتَهُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ }؛ أي بالمعجزاتِ الدالَّة على رسالتِكَ، { فَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـٰذَا }؛ أي ما هذا الذي يُرينا عيسى، { إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ }؛ سحرٌ ظَاهِرٌ. ومن قرأ (سَاحِرٌ مُبينٌ) أراد به عيسَى عليه السلام.