الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهَا وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ }؛ قال ابنُ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: " لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ } قَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أسَيْدٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أفِي كُلِّ عَامٍ؟

فَوَجَدَ مِنْ قَوْلِ ذلِكَ الرَّجُلِ وَجْداً شَدِيداً، ثُمَّ قَالَ لَهُ: " مَا كَانَ يُؤْمِنُكَ أنْ أقُولَ: نَعَمْ، فَيَجِبُ عَلَيْكُمْ فِي كُلِّ عَامٍ فَلاَ تُطِيقُوهُ، فَإنْ لَمْ تَفْعَلُوهُ كَفَرْتُمْ، ذرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ " ".

وفي بعضِ الروايات: " أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَامَ خَطِيباً، فَسَأَلَهُ النَّاسُ عَنْ أشْيَاء، فَقَالَ: " لاَ تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إلاَّ حَدَّثْتُكُمْ بهِ " ، فَأَكْثَرُوا عَلَيْهِ السُّؤَالَ حَتَّى سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ الْحَجِّ: أفِي كُلِّ عَامٍ؟ فَسَكَتَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَعَادَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ ثَالِثاً، فقال صلى الله عليه وسلم: " لَوْ قُلْتُ لَكُمْ: نَعَمْ، لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ " فَقَامَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: أفِي الْجَنَّةِ أنَا أمْ فِي النَّار؟! فَاشْتَدَّ ذلِكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، فَقَالَ عُمَرُ: رَضِينَا باللهِ رَبّاً وَبالإسْلاَمِ دِيناً وَبكَ نَبيّاً، نَعُوذُ باللهِ مِنْ غَضَب اللهِ وَغَضَب رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَرَى عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم الْغَضَبُ ".

وروي: " أن رجلاً قال يا رسولَ اللهِ أين أبي؟ فقال: " فِي النَّار " ، فَقَامَ عُمَرُ رضي الله عنه وَقَالَ: رَضِينَا باللهِ رَبّاً وَبالإسْلاَمِ دِيناً وَبمُحَمَّدٍ نَبيّاً وَبالْقُرْآنِ إمَاماً، إنَّا يَا رَسُولَ اللهِ حَدِيثُو عَهْدٍ بالْجَاهِلِيَّةِ فَاعْفُ عَنَّا عَفَا اللهُ عَنْكَ، فَسَكَنَ غَضَبُهُ ".

ورويَ: " أنَّ رَجُلاً مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ عَبْدُاللهِ بْنُ حُذافَةَ، وَكَانَ يُطْعَنُ فِي نَسَبهِ إذا لاَحَى؛ أيْ يُدْعَى لِغَيْرِ أبيهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أبي؟ قَالَ: " أبُوكَ حُذافَةُ ". قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَقَالَتْ أمُّهُ: مَا رَأَيْتُ وَلَداً أعَقَّ مِنْكَ قَطْ! أكُنْتَ تَأْمَنُ أنْ تَكُونَ أمُّكَ قَارَفَتْ مَا قَارَفَ " نِسَاءُ " أهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَيَفْضَحَهَا عَلَى رُؤُوسِ النَّاسِ ".

وفي رواية أخرى: " أنَّهُ لَمَّا قَالَ لَهُ: " أبُوكَ حُذافَةُ " ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أبي فُلاَنٌ، قَالَ: " إنَّكَ وَلَدُ الزَّانِيَةِ، وَإنَّ الَّذِي وُلِدْتَ عَلَى فِرَاشِهِ كَانَ كَثِيرَ الْمَالِ، فَتَعَرَّضَتْ أُمُّكَ لِحُذَافَةَ فَجَامَعَهَا فَاشْتَمَلَتْ بكَ " " فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ.

ومعناها: يا أيُّها الذين آمَنوا بالله ورسولهِ لا تسأَلُوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن أشياء إنْ أظهرَ لكم جوابَها ساءَكم، ذلك { وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ }؛ وإنْ تسألوا عنها عندَ نُزول القرآنِ أظهرَ لكم جواباً، { عَفَا ٱللَّهُ عَنْهَا }؛ أي عن مسأَلتِكم لم يؤاخذكم بالبحثِ عنها. ويقال: أراد بالعفوِ السترَ عليهم، { وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ }؛ أي متجاوزٌ عن العباد، حليمٌ عن الجهَّال لا يعجِّلُ عليهم بالعقوبةِ.