الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ }

{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ }؛ أي أوفوا بالعقود التي كَتَبَهَا اللهُ عليكم مِما أحلَّه لكم حرَّمَه عليكُم، وَقِيْلَ: معناهُ: أتِمُّوا العهودَ التي بينكم وبين المشركينَ ولا تنقُضُوها حتى يكونَ النَّّقْضُ من قِبَلِهِمْ، هكذا رويَ عن ابنِ عبَّاس والضَّحاك وقتادةَ. وقال الحسنُ: (مَعْنَاهُ أوْفُوا بعُقُودِ الدِّيْنِ؛ يَعْنِي أوَامِرَ اللهِ وَنَوَاهِيْهِ). وَقِيْلَ: معناهُ: أوفُوا بكُلِّ عَقْدٍ تعقدونَهُ على أنفسِكم من نَذْرٍ أو يَمينٍ. وَقِيْلَ: أوْفُوا بالعقودِ التي يعقِدُها بعضُكم لبعضٍ، نحوَ عَقْدِ البيعِ والإجارةِ والنِّكاحِ والشَّرْكةِ، ولا تنافِي بينَ هذه الأقوالِ؛ إذ كلُّ هذه العقود يجبُ الوفاءُ بها.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ }؛ أي رُخِّصَتْ لكم الأنعامُ نفسُها، وأضافَ البهيمةَ إلى الأنعامِ، كما يقالُ: مسجدُ الجامِعِ؛ ونفسُ الإنسانِ. والأنْعَامُ: هِيَ الإبلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ، ودخل في هذهِ الآية إباحةُ الظِّبَاءِ وبَقَرِ الْوَحْشِ وحمار الوحشِ؛ لأنَّها أبْهَمُ في التَّمَيُّزِ من الأَهْلِيَّةِ، ولِهذا استثنَى اللهُ الصيدَ في حالةِ الإحرام في قولهِ تعالى: { غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ }. والبهيمةُ في اللغة يتناولُ كلَّ حَيٍّ لا يُميِّزُ، اسْتَبْهَمَ عليه الجوابُ؛ أي اسْتَغْلَقَ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ }؛ أي إلاّ ما يُقْرَأ عليكم في القُرْآنِ مِمَّا حُرِّمَ عليكم في هذه السورة من الْمِيْتَةِ والدَّمِ ولحمِ الخنْزيرِ والموقُوذةُ والمتَردِّيَةُ والنَّطيحَةُ الآيةُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ }؛ نُصِبَ على الحالِ من الكافِ والميم التي في قولهِ: { أُحِلَّتْ لَكُمْ } كما يقالُ: جاءَ زيدٌ راكباً؛ وجاءَ غيرُ راكبٍ. والمعنى: أحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيْمَةُ الأَنْعَامِ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ؛ أي من أنْ تَسْتَحِلُّوا قتلَ الصَّيدِ وأنتُم مُحْرِمُونَ. وَقِيْلَ: نُصِبَ على الحالِ من قوله { أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } أي أوْفُوا بالمعقُودِ غيرِ مُحِلِّي الصَّيْدِ، هذا قولُ الأخفشِ، والأوَّلُ قولُ الكسائيِّ.

ومعنى الآيةِ: أحِلَّتْ لكمُ الأنعامُ إلاَّ ما كان وَحْشِياً، فإنَّهُ صَيْدٌ لا يحلُّ لكم إذا كنتم مُحْرِمِيْنَ، فذلكَ قولهُ: { وَأَنْتُمْ حُرُمٌ }. قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ }؛ أي يقضِي على عبادهِ بما شاءَ من التحليل والتحريْمِ على ما تُوجِبُهُ الحكمةُ.