الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلْقِتَالُ رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ ٱلْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ فَأَوْلَىٰ لَهُمْ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ }؛ قال ابنُ عبَّاس: (إنَّ الْمُؤْمِنِينَ سَأَلُواْ رَبَّهُمْ أنْ يُنْزِلَ سُورَةً فِيهَا ثَوَابُ الْقِتَالِ فِي سَبيلِ اللهِ). وَقِيْلَ: إنَّ المؤمنين كانُوا يَشتَاقُون إلى تَواتُرِ نزولِ القرآن، وكانوا يَستَوحِشُونَ إذا أبطأَ الوحيُ، وهو قولُهم { لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ } أي هلاَّ نُزِّلتْ سورةٌ، يقولُ اللهُ تعالى: { فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ }؛ أي بالأحكامِ التي لا يجرِي عليها النسخُ، يعني لا يُنسَخُ منها شيءٌ، قال قتادةُ: (كُلُّ سُورَةٍ يُذْكَرُ فِيْهَا الْجِهَادُ فَهِيَ مُحْكَمَةٌ وَهِيَ أشَدُّ السُّوَر عَلَى الْمُنَافِقِينَ).

والمعنى: أنَّ المؤمنِين قالُوا: هلاَّ أُنزِلَتْ سورةٌ تأمُرنا بالجهادِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: { فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ } { وَذُكِرَ فِيهَا ٱلْقِتَالُ }؛ أي إيجابُ القتالِ، { رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ }؛ وهم المنافِقُون، { يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ ٱلْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ }؛ عندَ ذكرِ القتالِ كنظَرِ الذي هو في غَشَيَانٍِ من الموتِ، كراهةً منهم للقتالِ مخافةَ أن يُقتَلوا في الحرب. قال الزجَّاجُ: مَعْنَاهُ: رَأيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَشْخَصُونَ نَحْوَكَ بأَبْصَارهِمْ، وَيَنْظُرُونَ إلَيْكَ نَظَراً شَدِيداً، شَزِراً بتَحْدِيقٍ شَدِيدٍ كَرَاهَةً مِنْهُمْ لِلْجِهَادِ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَأَوْلَىٰ لَهُمْ }؛ كلمةُ وعيدٍ لهم، ومعناهُ: وَلِيَهُم المكروهُ والعقابُ أولَى لهم، وهذا كما قالَ تعالى:أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } [القيامة: 34]، قال الأصمعيُّ: (مَعْنَى قَوْلِهِ: أوْلَى لَكَ فَأَوْلَى؛ أيْ وَلِيَكَ وَقَارَبَكَ مَا تَكْرَهُ).