الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَـٰذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ } * { وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَـٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِّيُنذِرَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ }؛ أي قالَ الكفارُ مِن بني أسَدٍ وغطَفان وأشجَعَ لِمَن أسلمَ من جُهينَةَ ومُزَيْنَةَ وأسْلمَ وغِفَارٍ: (لَوْ كَانَ هَذا) يعنُونَ القرآنَ (خَيْراً) مما نحنُ عليهِ لَمَا سبقَ رعاةُ الشاةِ ونحن أرفعُ منهم، { وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ }؛ مع ظُهورهِ ووضُوحهِ، { فَسَيَقُولُونَ } مع ذلك، { هَـٰذَآ }؛ القرآنُ؛ { إِفْكٌ قَدِيمٌ }؛ كذِبٌ متقَادِمٌ أتَّبعَهُ مُحَمَّدٌ وأحِبَّاؤهُ في عصرهِ.

يقول اللهُ تعالى: { وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً }؛ أي ويشهدُ للقرآن كتابُ موسَى قبلَهُ إمامٌ يُقتدَى ونجاةٌ من العذاب لِمَن آمنَ به، { وَهَـٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ } وَهَذَا القرآنُ مُصَدِّقٌ لِمَا في التوراةِ. وقولهُ تعالى: { لِّسَاناً عَرَبِيّاً }؛ أي بلسانٍ عربيٍّ تَعقِلونَهُ. ويجوزُ أن يكون منصوباً على الحالِ، ويكون (لِسَاناً) توكيداً، كما يقالُ: جاءَنِي زيدٌ رجلاً صالحاً، يريدُ: جاءَنِي زيدٌ صالحاً، وقال الزجَّاجُ: (قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِمَاماً } نُصِبَ عَلَى الْحَالِ) تَقْدِيرُهُ: وَتَقَدَّمَهُ كِتَابُ مُوسَى عليه السلام إمَاماً.

وَفِي الْكَلام محذوفٌ تقديرهُ: إمَاماً ورحمةً فَلَمْ يَهْتَدُوا بهِ، يدلُّ عليه قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ } وذلك أنَّ المشرِكين لم يهَتدُوا بالتوراةِ فيترُكوا عبادةَ الأصنامِ ويعرِفُوا منه صفةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

ثم قالَ تعالى: { وَهَـٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ }؛ غيرَ الكُتب التي قبلَهُ { لِّسَاناً عَرَبِيّاً } منصوبٌ على الحالِ؛ أي مصَدِّقٌ لما بين يَدَيهِ عَرَبيّاً. ومعنى قولهِ تعالى: { كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً } أي يُقتدَى بهِ؛ يعني التوراةَ، { وَرَحْمَةً } من اللهِ للمؤمنين به؛ قِيْلَ: القرآنُ.

وعن عروة عن أبيه قالَ: (كَانَتْ زنِّيرَةُ أمْرَأةً ضَعِيفَةَ الْبَصَرِ، فَلَمَّا أسْلَمَتْ كَانَ الأَشْرَافُ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ يَسْتَهْزِئُونَ بهَا وَيَقُولُونَ: وَاللهِ لَوْ كَانَ مَا جَاءَ بهِ مُحَمَّدٌ خَيْراً مَا سَبَقَتْنَا إلَيْهِ زنِّيرَةُ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيْهَا وَفِي أمْثَالِهَا { وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَـٰذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ } أيْ أسَاطيرُ الأَوَّلِينَ).

قَوْلُهُ تَعَالَى: { لِّيُنذِرَ }؛ أي أنزلناهُ لِتُخَوِّفَ، { ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } ، يعني مُشرِكي مكَّة. ومَن قرأ بالياءِ أسندَ الفعلَ إلى الكتاب. وقولهُ تعالى: { وَبُشْرَىٰ } أي وهو بُشْرَى، { لِلْمُحْسِنِينَ }؛ الموحِّدين، يعني الكتابَ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }.