الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَٱسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَٱسْتَكْبَرْتُمْ }؛ ثم اختلَفُوا، والمرادُ بشاهدٍ في هذه الآيةِ فقالَ مَن ذهبَ إلى أنَّ هذه السُّورةَ مكِّيةٌ كلُّها: أنَّ المرادَ به يَامِينَ بن يامين، فإنَّ عبدَالله بنَ سلام مِمَّن أسلمَ بالمدينةِ، وهذا شاهدٌ قَدِمَ بمكَّة فآمنَ. وَقِيْلَ: إنَّ المرادَ بالشاهدِ مُوسَى عليه السلام كان مِن بني إسرائيلَ، وكان شهادتهُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم في التوراةِ من تصديقِ القُرآنِ، ومثل القرآن هو التوراةُ.

وقال ابنُ عبَّاس: (هُوَ عَبْدُاللهِ بْنُ سَلاَمٍ)، رُوي: " أنَّهُ قَدِمَ مِنَ الشَّامِ، فأتَى النَّبيَّ عليه السلام لَيْلاً وشَهِدَ أنَّ نَعتَهُ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ فَآمَنَ بهِ، ثم قالَ: أخْبئْنِي فِي الْبَيْتِ، ثُمَّ أحْضِرِ الْيَهُودَ سَلْهُمْ عَنِّي، فَإنَّهُمْ سَيَذْكُرُونَنِي عِنْدَكَ ويُخْبرُونَكَ بمَكَانِي مِنَ الْعِلْمِ.

فَفَعَلَ ذلِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَخْبَرَ الْيَهُودَ وَقَالَ لَهُمْ: " مَا تَقُولُونَ فِي عَبْدِاللهِ ابْنِ سَلاَمٍ؟ " فَقَالُواْ: عَالِمُنَا وَابْنُ عَالِمِنَا، وَسَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، وَبَقِيَّةُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنَّا. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " أرَأيْتُمْ إنْ آمَنَ بي تُؤْمِنُوا أنْتُمْ؟ " فَقَالُواْ: إنَّهُ لاَ يَفْعَلُ ذلِكَ.

فَكَرَّرَ عَلَيْهِمْ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى قَالُواْ: نَعَمْ، فَخَرَجَ عَبْدُاللهِ بْنُ سَلاَمٍ وَقَالَ لَهُمْ: ألَمْ يَأْتِكُمْ فِي التَّوْرَاةِ عَنْ مُوسَى عليه السلام: إذا رَأيْتُمْ مُحَمَّداً فَأَقْرِئُوهُ مِنِّي السَّلاَمَ وَآمِنْواْ بهِ؟ ثُمَّ جَعَلَ يُوقِفُهُمْ مِنَ التَّوْرَاةِ عَلَى مَوَاضِعَ مِنْهَا فِيْهَا ذِكْرُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَصِفَتُهُ، وَكَانُواْ يَسْتَكْبرُونَ وَيَجْحَدُونَ، فَقَالَ عَبْدُاللهِ بْنُ سَلاَمٍ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: أشْهَدُ أنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَأنَّكَ رَسُولُ اللهِ، أرْسَلَكَ بالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ. فَقَالُواْ: مَا كُنْتَ أهْلاً لِمَا أثْنَيْنَا عَلَيْكَ، وَلَكِنَّكَ كُنْتَ غَائِباً فَكَرِهْنَا أنْ نغْتَابَكَ ".

ومعنى الآيةِ: أخبروني ماذا تقُولون إنْ كان القرآنُ من عندِ الله، أنزلَهُ وكفرتُم أيُّها المشرِكون، { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } عبدُاللهِ بن سلامٍ على صدقِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في نبُوَّتهِ { عَلَىٰ مِثْلِهِ } أي عليه أنَّهُ من عندِ الله، والْمِثْلُ صلةٌ. وقولهُ تعالى: { فَآمَنَ } يعني الشاهدُ واستكبَرتُم أنتم عن الإيمانِ به، وجوابُ (إنْ) محذوفٌ؛ وتقديرهُ: أليسَ قد ظَلمهم.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }؛ وَقِيْلَ: تقديرُ الجواب: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَٱسْتَكْبَرْتُمْ } أفَأَمِنُوا عقوبةَ اللهِ، { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } يعني المعانِدين بعدَ الوضُوحِ والبيانِ يَحرِمُهم اللهُ الهدايةَ.