الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ } * { وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { بَلْ مَتَّعْتُ هَـٰؤُلاَءِ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ } * { وَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ } معناه واذكُر يا مُحَمَّدُ إذ قالَ إبراهيمُ لأبيهِ وقومهِ حين خرجَ من السِّرب وهو ابنُ سبعَ عشرة سنةً، رأى أباهُ وقومَهُ يعبدون الأصنامَ، فقالَ لَهم: إنِّي بَرَاءٌ مما تعبُدون من دونِ الله تعالى، { إِلاَّ ٱلَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ } ، إلاَّ مِن الذي خلَقَني فإنه سيحفَظُني ويُرشِدُني لدينهِ وطاعته.

وقوله تعالى: { وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ }؛ أي وجعلَ براءتَهُ عن عبادةِ غير الله وهي كلمةُ التوحيدِ: لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ؛ باقيةً في عَقِبهِ لكي يرجِعُوا إلى التوحيدِ، ويدعُوا الخلقَ إليهِ، فلا يزالُ في ولَدهِ مَن يوحِّدُ اللهَ تعالى. ومعنى الآيةِ: وجعلَها كلمةً باقيةً في ذريَّة إبراهيم ونَسلهِ، فلا يزالُ في ذُريَّتهِ مَن يعبدُ اللهَ ويوحِّدهُ، { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }؛ أي لعَلَّ أهلَ مكَّة يتَّبعون هذا الدِّينَ ويرجعون إلى دِينكَ دينِ إبراهيمَ، إذ كانوا مِن وَلدهِ. وقال السديُّ: (لَعَلَّهُمْ يَتُوبُونَ وَيَرْجِعُونَ عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ إلَى عِبَادَةِ اللهِ تَعَالَى).

ثُم ذكرَ نِعمَتهُ على قريشٍ فقالَ: { بَلْ مَتَّعْتُ هَـٰؤُلاَءِ وَآبَآءَهُمْ }؛ يعني المشركين متَّعْتُهم بأموالِهم وأنفُسِهم وأنواعِ النِّعَمِ، ولم أُعاجِلْهُم بعقوبةِ كُفرِهم، بل أمهَلتُهم زيادةً في الْحُجَّةِ وقطعاً للمعذرةِ، { حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ }؛ أي القرآنُ، { وَرَسُولٌ مُّبِينٌ }؛ للحُجَجِ وهو النبيُّ صلى الله عليه وسلم بَيَّنَ لَهم الأحكامَ والدينَ.

وكان من حقِّ الإنعَامِ أن يُطيعوا الرسولَ بإجابتهِ، فلم يُجيبوه وعَصَوا، وهو قولهُ: { وَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ }؛ أي لما جاءَ الرسولُ والقرآن، نَسَبوا القرآنَ إلى السِّحر وجحَدُوا بهِ.