الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ ٱلإنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ } * { أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِٱلْبَنِينَ } * { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا }؛ أي جَعل الكفارُ للهِ تعالى من عبادهِ جُزءاً؛ لأنَّهم قالوا: الملائكةُ بنات اللهِ، فوصَفُوا عبادَ اللهِ بأنَّهم جزءٌ من اللهِ، وقد تقدَّمَ أن الذين قالوا هذا القولَ حيٌّ من خزاعةَ، ومعنى الجعلُ ها هنا الحكمُ بالشيءِ، والوصفُ والتسمية كما جعلَ فلانٌ زيداً مِن أعلمِ الناس؛ أي وصفَهُ بذلك، ويقالُ: إن الْجُزْءَ في كلامِ العرب عبارةٌ عن الأُنثى كما قال الشاعرُ:
إنْ أجْزَأتْ حُرَّةٌ يَوْماً فَلاَ عَجَبٌ   قَدْ تُجْزِئُ الْحُرَّةُ الْمِذْكَارُ أحْيَانَا
أرادَ بـ (أجْزَأتْ): ولَدَت أُنثى. قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِنَّ ٱلإنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ }؛ أرادَ بالإنسانِ الكافرَ، وقولهُ تعالى { لَكَفُورٌ مُّبِينٌ } أي لَجَحُودٌ لنِعَمِ اللهِ، { مُّبِينٌ } ظاهرُ الكُفرَانِ.

ثُم أنكرَ عليهم هذا فقالَ تعالى: { أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِٱلْبَنِينَ }؛ هذا استفهامُ توبيخٍ وإنكار، يقولوا: أتَّخَذ ربُّكم لنفسهِ البنات وأصفاكم بالبنينِ وأخلَصَكم بهم. والمعنى: كيف اختارَ لنفسهِ أهونَ قِسْمَي الولدِ، واختارَ لكم أعلَى القِسمَين، والحكمةُ لا توجبُ أن يختارَ الحكيمُ الأدوَنَ لنفسهِ والأعلَى لغيرهِ.

ثم وصَفَ كراهتَهم بالبناتِ، فقالَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً }؛ أي وإذا أُخبر أحدُهم بما وصفَ للرحمنِ من إضافةِ البنت إليه صارَ وجههُ مُسْوَدّاً متغَيِّراً يُعرَفُ فيه الحزنُ. وقَوْلُهُ تَعَالَى: { وَهُوَ كَظِيمٌ }؛ أي يتردَّدُ حُزنهُ في جَوفهِ. وقد تقدم تفسيرهُ في سورة النحلِ.