الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوۤاْ إِلَى ٱلْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوۤاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ وَيَكُفُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَـٰئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً } * { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَٰقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىۤ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً }

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ }؛ معناهُ: ستجدون قَوماً آخرينَ يريدون أن يَأَمَنُوكُمْ، أي يُظهرون لكم الصُّلْحَ، يريدونَ أنْ يأْمنُوكم بكلمةِ التَّوحِيدِ، يُظهرونَها لكم، { وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ }؛ أي ويأمَنُوا من قومِهم بالكفرِ في السرِّ، { كُلَّ مَا رُدُّوۤاْ إِلَى ٱلْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا }؛ كلَّما دُعُوا إلى الكُفْرِ رَجَعُوا فيهِ.

قال ابنُ عبَّاس: (هُمْ أسَدُ وَغَطَفَانُ؛ كَانَوا حَاضِري الْمَدِيْنَةِ، وَكَانَا يَتَكَلَّمَانِ بالإسْلاَمِ وَهُمَا غَيْرُ مُسْلِمَيْنِ، وَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَقُولُ لَهُ قَوْمُهُ: بمَاذا آمَنْتَ؟ وَلِمَاذا أسْلَمْتَ؟ فَيَقُولُ: آمَنْتُ برَب العُودِ، وَبرَبِّ الْعَقْرَبِ وَبربِّ الْخَنْفُسَاءِ. يُرِيْدُونَ بهِ الاسْتِهْزَاءَ، فَإذا لَقُواْ مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم وَأصْحَابَهُ قَالُواْ: إنَّا عَلَى دِيْنِكُمْ؛ وَأظْهَرُواْ الإسْلاَمَ، فَأَطْلَعَ اللهُ نَبيَّهُ صلى الله عليه وسلم وَالْمُؤْمِنِيْنَ عَلَى ذلِكَ بهَذِهِ الآيَةِ).

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوۤاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ وَيَكُفُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ }؛ أيْ فانْ لَمْ يتركوا قتالكم ولَمْ يَستَدِيموا لكم في الصُّلْحِ، ولَمْ يَمنعوا أيديَهم عن قتالِكم، { فَخُذُوهُمْ }؛ أي إسِرُوهُمْ، { وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ }؛ أي حيث وَجَدْتُمُوهُمْ، { وَأُوْلَـٰئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً }؛ أي أهل هذه الصفة جعلنا لكم عليهم حجة ظاهرة بالقتال معهم، قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً } أي ما كانَ لِمؤمنٍ في حُكْمِ اللهِ أن يَقْتُلَ مؤمناً بغيرِ حقٍّ إلاَّ أن يكونَ وُقُوعُ القتلِ منه على وجهِ الخطأ، وهو ألاَّ يكونَ قاصداً قَتْلَهُ فيكونُ مرفوعَ الإثْمِ والعقاب.

واختلفَ المفسِّرون فيمَنْ نزلت هذه الآيةُ؛ قال ابنُ مسعودٍ: (فِي عَيَّاشِ بْنِ رَبيْعَةَ الْمَخْزُومِيِّ؛ أتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بمَكَّةَ قَبْلَ أنْ يُهَاجِرَ إلَى الْمَدِيْنَةِ فَأَسلَمَ مَعَهُ، فَخَافَ أنْ يَعْلَمَ أهْلُهُ بإسْلاَمِهِ، فَخَرَجَ هَارباً إلَى الْمَدِيْنَةِ؛ فَاخْتَفَى فِي جَبَلٍ مِنْ جِبَالِهَا؛ فَجَزِعَتْ أمُّهُ جَزَعاً شَدِيْداً حِيْنَ بَلَغَهَا إسْلاَمُهُ وَخُرُوجُهُ إلَى الْمَدِيْنَةِ؛ فَقَالَتْ لأَبيْهَا الْحُرَيْثِ وَأبي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ - وَهُمَا أخَوَاهُ لأُمِّهِ -: وَاللهِ لاَ يُظِلُّنِي سَقْفٌ وَلاَ أذُوقُ طَعَاماً وَلاَ شَرَاباً حَتَّى تَأْتُونِي بهِ، فَخَرَجَا فِي طَلَبهِ، وَخَرَجَ مَعَهُمَا الْحَرْثُ بْنُ زَيْدٍ حَتَّى أتَيَا الْمَدِيْنَةَ، فَوَجَدَا عَيَّاشاً فِي أطَمٍ - أيْ جَبَلٍ - فَقَالاَ لَهُ: إنْزِلْ؛ فَإنَّ أمَّكَ لَمْ يَأْوهَا سَقْفُ بَيْتٍ بَعْدَكَ، وَقَدْ حَلَفَتْ لاَ تَأْكُلُ طَعَاماً وَلاَ تَشْرَبُ شَرَاباً حَتَّى تَرْجِعَ إلَيْهَا، وَلَكَ عَلَيْنَا ألاَّ نُكْرِهَكَ عَلَى شَيْءٍ؛ وَلاَ نَحُولَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ دِيْنِكَ، فَحَلَفُواْ لَهُ عَلَى ذلِكَ فَنَزَلَ إلَيْهِمْ، فَأَوْثَقُوهُ بنِسْعَةٍ ثُمَّ جَلَدَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ.

ثُمَّ قَدِمُواْ بهِ عَلَى أمِّهِ، فَلَمَّا أتَاهَا قَالَتْ لَهُ: وَاللهِ لاَ أحِلُّكَ مِنْ وثَاقِكَ حَتَّى تَكْفُرَ بالَّذِي آمَنْتَ بهِ، ثُمَّ تَرَكُوهُ مَطْرُوحاً مَوْثُوقاً فِي الشَّمْسِ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ أعْطَاهُمُ الَّذِي أرَادُوا، فَأَتَاهُ الْحُرَيْثُ بْنُ زَيْدٍ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَيَّاشُ؛ هَذا الَّذِي كُنْتَ عَلَيْهِ، فَوَاللهِ لَئِنْ كَانَ الْهُدَى لَقَدْ تَرَكْتَ الْهُدَى، وَلَئِنْ كَانَ ضَلاَلَةً لَقَدْ كُنْتَ عَلَيْهَا، فَغَضِبَ عَيَّاشُ مِنْ مَقَالَتِهِ، قَالَ: واللهِ لاَ ألْقَاكَ خَالِياً إلاَّ قَتَلْتُكَ.

السابقالتالي
2