الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوۤاْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً }

قوله عَزَّ وَجَلَّ: { فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ }؛ قال ابنُ هِشَامٍ: (هَاجَرَ أنَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَدِمُواْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِيْنَةَ فَأَسْلَمُواْ، ثُمَّ نَدِمُواْ عَلَى ذلِكَ وَأرَادُواْ الرَّجْعَةَ، فَقَالَ بَعْضُهُم لِبَعْضٍ: كَيْفَ نَخْرُجُ؟ قَالُواْ: نَخْرُجُ كَهَيْأَةِ الْمُتَنَزِّهِيْنَ، فَقَالُواْ لِلْمُسْلِمِيْنَ: إنَّا قَدِ اجْتَوَيْنَا الْمَدِيْنَةَ فَنَخْرُجُ وَنَتَنَزَّهُ - أي نَتَفَسَّحُ - فَصَدَّقُوهُمْ، فَخَرَجُواْ فَجَعَلُواْ يُبَاعِدُونَ قَلِيلاً حَتَّى بَعُدُواْ، ثُمَّ أسْرَعُواْ فِي السَّيْرِ إلَى مَكَّةَ حَتَّى لَحِقُواْ بهَا، وَكَتَبُواْ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أنَّا عَلَى مَا فَارَقْنَاكُمْ عَلَيْهِ مِنَ التَّصْدِيْقِ، وَلَكِنَّا اشْتَقْنَا إلَى أرْضَنَا وَاجْتَوَيْنَا الْمَدِيْنَةَ.

ثُمَّ أنَّهُمْ أرَادُواْ أنْ يَخْرُجُوا فِي تِجِارَتِهِمْ إلَى الشَّامِ، فَاسْتَبْعَضَهُمْ أهْلُ مَكَّةَ وَقَالُواْ: أنْتُمْ عَلَى دِيْنِ مُحَمَّدٍ، فَإنْ لَقُوكُمْ فَلاَ بَأْسَ عَلَيْكُمْ مِنْهُمْ. فَخَرَجُواْ مِنْ مَكَّةَ مُتَوَجِّهِيْنَ إلَى الشَّامِ، فَبَلَغَ ذلِكَ الْمُسْلِمِيْنَ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: مَا يَمْنَعُنَا أنْ نَخْرُجَ إلَى هَؤُلاَءِ الَّذِيْنَ رَغِبُواْ عَنْ دِيْنِنَا وَتَرَكُوهُ، نَخْرُجُ إلَيْهِمْ فَنَقْتُلُهُمْ وَنَأْخُذُ مَا مَعَهُمْ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كَيْفَ نَقََتُلُ قَوْماً عَلَى دِيْنِكُمْ، وَكَانَ بحَضرَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ سَاكِتٌ لاَ يَنْهَى أحَدَ الْفَرِيقَيْنِ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ وَالَّتِي بَعْدَهَا يُبَيِّنُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَأْنَهُمْ).

ومعناها: فِمَا لكُمْ من هؤلاءِ المنافقينَ حتى صِرْتُمْ في أمرِهم فرقتين من مُحِلٍّ لأموالِهم وَمُحَرِّمٍ، { وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوۤاْ }؛ أي رَدَّهُمْ إلى كُفْرِهم وضلالَتِهم بما كَسَبُوا من أعمالِهم السيِّئَةِ، ونفاقِهم وخُبْثِ نِيَّاتِهم، وانتصاب { فِئَتَيْنِ } على الحالِ؛ يقالُ: مَا لَكَ قََائِماً؛ أي لِمَ قُمْتَ في هذه الحالةِ، وَقِيْلَ: على خَبَرِ (صار).

قَوْلُهُ تَعَالَى: { أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ }؛ أي تريدون يا مَعْشَرَ المخلصينَ أن تُرْشِدُوا مَن خَذلَهُ اللهُ عن دِينه وحجَّته، وَقِيْلَ: معناهُ: أتقولونَ إنَّ هؤلاءِ مهتدون، { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً }؛ أي لن تَجِدَ له هَادِياً، وَقِيْل: لن تَجِدَ لهُ طَريقاً إلى الْهُدَى. وقرأ عَبْدُاللهِ وأبَيّ: (واللهُ رَكَّسَهُمْ) بالتشديدِ.