الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ }؛ يَعْنِي المنافقينَ كانوا إذا أتاهُم خبرٌ من أمرِ السَّرَايَا الذين بعثَهُم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم من ظَفَرٍ وَدَوْلَةٍ وَغَنِيمَةٍ؛ أو أتاهم عنهم خَبَرُ نَكْبَةٍ أو هَزِيْمَةٍ أفْشَوا ذلكَ الخبرَ، وأظهروهُ قبل أن يُحَدَّثَ بهِ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِيَحْذرَ بخبرِ الظَّفَرِ من ينبغِي أن يحذرَ من الكفَّار ويقوَى بخبرِ هزيْمَة المسلمينَ قَلْبُ مَن كان يَبْتَغِي نكبةَ المسلمين منهُم، فأنزلَ اللهُ تعالى هذه الآيةَ.

ومعناهُ: اذا جاءَ المنافقينَ { أَمْرٌ مِّنَ ٱلأَمْنِ }؛ يعني الغنيمةَ والفتحَ، { أَوِ ٱلْخَوْفِ } أي الهزيْمَة والقتلِ { أَذَاعُواْ بِهِ }؛ أي أشاعُوهُ وأفْشَوهُ، { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْهُمْ }؛ أي لم يَتَحَدَّثُوا به ولم يُفْشُوهُ حتى يكونَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم هو الذي يَتَحَدَّثُ بهِ. والمعنى: لو تَرَكُوا أمرَ السَّرايَا والعسكرِ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وإلى أولي الأمرِ من المؤمنينَ وهم: أبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَأكَابرُ الصَّحَابَةِ حتى يكونوا هم الذين يُفْشُونَهُ، { لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ }؛ يطلبونَ الخبرَ ويستخبرونَهُ من النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأكابرِ الصَّحابة أن ذلك الخبرَ صحيحٌ أم لاَ.

قال الكلبيُّ: (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبطُونَهُ أيْ يَتَّبعُونَهُ). وقال عكرمةُ: (يَسْأَلُونَ عَنْهُ، أيْ لَوْ تَرَكُواْ إذاعَتَهُ حَتَّى يَتَحَدَّثَ بهِ النَّبيُّ لَعَلِمَهُ الَّذِيْنَ يَسْأَلُونَ عَنْهُ). وقال القُتيبيُّ: (لَعَلِمَهُ الَّذِيْنَ يَسْتَخْرِجُونَهُ، يُقَالُ: اسْتَنْبَطْتُ الْمَاءَ إذا أخْرَجْتُهُ).

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ }؛ أي لولا ما أنزلَ اللهُ عليكم من القُرْآنِ، وبَيَّنَ لكم الآياتِ على لسانِ نَبيِّهِ صلى الله عليه وسلم، { لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً }؛ أي كانَ أقَلُّكُمْ يَنْجُوا من الكُفْرِ، والمرادُ بالفضلِ ها هنا النبيَّ صلى الله عليه وسلم والقُرْآنَ، وَقِيْلَ: في الآيةِ تقديمٌ وتأخيرٌ؛ معناه: أذاعُواْ بهِ إلاَّ قَلِيْلاً مِنَ الخبر لم يذيعوهُ، أو قليلاً من الْمُنَافِقِيْنَ لَمْ يُذِيْعُوهُ.