الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً }

قوله عَزَّ وَجَلَّ: { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ }؛ " نزلت في ثَوْبَانَ مَوْلَى النبيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ شَدِيْدَ الْحُب لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَلِيْلُ الصَّبْرِ عَنْهُ، فَأَتَاهُ ذاتَ يَوْمٍ وَقَدْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَنَحَلَ جِسْمُهُ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " مَا غَيَّرَ لَوْنُكَ؟ " فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ مَا بي مَرَضٌ وَلاَ وَجَعٌ، غَيْرَ أنِّي لَمْ أرَكَ فَاشْتَقْتُ إلَيْكَ فَاسْتَوْحَشْتُ، فَهَذا الَّذِي نَزَلَ بي مِنْ أجْلِ ذلِكَ، ثُمَّ ذكَرْتُ الآخِرَةَ فَأخَافُ أنْ لاَ أرَاكَ هُنَاكَ فَإنَّكَ تُرْفَعُ مَعَ النَّبيِّيْنَ، وَإنِّي إذا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ كُنْتُ فِي مَنْزِلَةٍ أدْنَى مِنْ مَنْزِلَتِكَ، وَإنْ لَمْ أدْخُلِ الْجَنَّةَ فَذاكَ حِيْنَ لاَ أرَاكَ أبَداً، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ؛ لاَ يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ وَابْنِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أجْمَعِيْنَ "

ومعنى الآية: ومَن يُطِعِ اللهَ في الفرائضِ والرسولَ في السُّننِ؛ فأولئِكَ مع الذينَ أنْعَمَ اللهُ عليهم مِنَ النبيِّين والصدِّيقينَ، وهم أفاضلُ الصَّحابةِ، { وَٱلشُّهَدَآءِ }؛ هم الذين اسْتُشْهِدُواْ في سبيلِ الله، { وَٱلصَّالِحِينَ }؛ وهم الذينَ اسْتَقَامَتْ أحوالُهم بحُسْنِ عملِهم، وَالْمُصْلِحُ الْمُقَوِّمُ بحُسْنِ عَمَلِهِ. وقالَ عكرمةُ: (النَّبيُّونَ: هَا هُنَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، وَالصِّدِّيْقُونَ: أبُو بَكْرٍ، وَالشُّهَدَاءُ: عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِِيٌّ، وَالصَّالِحُونَ: سَائِرُ الصَّحَابَةِ).

فإن قيلَ فكيفَ يكونُ المطيعون للهِ ورسولهِ مع النبيِّين ودرجتِهم في أعلى عِلِّيِّيْنَ؟ قِيْلَ: إنَّ الأنبياءَ ولو كانوا في أعْلى عِلِّيِّيْنَ؛ فإنَّ غيرَهم من المؤمنينَ يَرَوْنَهُمْ وَيَزُروُنَهُمْ ويستمتِعونَ برؤيتِهم، فيصلحُ اللفظ أنْ يقالَ إنَّهم معهُم.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً }؛ أي حَسُنَ الأنبياءُ ومَن معهُم رُفَقَاءَ في الجنَّةِ؛ أي ما أحسنَ مُرَافَقَتَهُمْ فيها، فذكرَ الرفيقَ بلفظِ التوحيدِ؛ لأنه نُصِبَ على التمييزِ، كما في قولهِ تعالى:فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً } [النساء: 4] ويجوزُ أن يكونَ معناهُ: حَسُنَ كُلُّ واحدٍ من أوْلَئِكَ رَفِيْقاً، كما قالَ تعالى:ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً } [غافر: 67] ولم يقل أطْفَالاً.