الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَٰماً وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا وَٱكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَٰماً }؛ أي لا تُعْطُوا الْجُهَّالَ بمواضعِ الحقِّ - وهم النساءُ والصِّبيانُ - أموالَكم التي جعلَ الله لكم قَوَامَ أمرِكم ومعيشتِكُم؛ أي جعلَكم تقومونَ به قِيَاماً إذا عَلِمَ الرجلُ أنَّ امرأتَهُ سفيهةٌ مُفْسِدَةٌ، وأن وَلَدَهُ سَفِيْهٌ مفسدٌ، فلا يَنْبَغِي لهُ أن يُسَلِّطَ أحداً منهُما على مالهِ الذي هو قِوَامُ أمرهِ. ومن قرأ (قِيَماً) فمعناهُ: التي جعلَها اللهُ لكم قِيْمَةً للأشياءِ فَبهَا تقومُ أمورُكم.

وقال مجاهدُ: (نَهَى الرِّجَالَ أنْ يُؤْتُوا النِّسَاءَ أمْوالَهُمْ وَهُنَّ سُفَهَاءُ؛ كُنَّ أزْواجاً، أوْ بَنَاتٍ أوْ أُمَّهَاتٍ). وعن الضحَّاك: (النِّسَاءُ مِنْ أسْفَهِ السُّفَهَاءِ) يدلُّ على هذا التأويلِ قولهُ صلى الله عليه وسلم: " ألاَ إنَّمَا خُلِقَتِ النَّارُ لِلسُّفَهَاءِ - قَالَهَا ثَلاَثاً - ألاَ إنَّ السُّفَهَاءَ النِّسَاءُ إلاَّ امْرَأةٌ أطَاعَتْ قَيِّمَهَا "

وعن أنسٍ رضي الله عنه قَالَ: " جَاءَتِ امْرَأةٌ سَوْدَاءُ جَرِيئَةُ الْمَنْطِقِ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: بأَبي وَأمِّي أنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؛ بَلَغَنِي أنَّكَ تَقُولُ فِيْنَا كُلَّ شَيْءٍ، قَالَ: " أيُّ شَيْءٍ قُلْتُ فِيْكُنَّ؟ " قَالَتْ: سَمَّيْتَنَا السُّفَهَاءَ، قَالَ: " اللهُ تَعَالَى سَمَّاكُنَّ السُّفَهَاءَ فِي كِتَابِهِ " قَالَتْ: وَسَمَّيْتَنَا النَّوَاقِصَ، قَالَ: " فَكَفَى نَقْصاً أنْ تََتْرُكَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ الصَّلاَةَ فِي كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةَ أيَّامٍ لاَ تُصَلِّي فِيْهَا " - يَعْنِي أيَّامَ حَيْضِهَا - ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم: " أمَا يَكْفِي إحْدَاكُنَّ إذا حَمَلَتْ كَانَ لَهَا كَأَجْرِ الْمُرَابطِ فِي سَبيْلِ اللهِ، وَإذا وَضَعَتْ كَانَتْ كَالْمُتَشَحِّطِ بدَمِهِ فِي سَبيْلِ اللهِ، فَإذا أرْضَعَتْ كَانَ لَهَا بكُلِّ جُرْعَةٍ عِتْقُ رَقَبَةٍ مِنْ ولْدِ إسْمَاعِيْلَ، فَإذا سَهِرَتْ كَانَ لَهَا بكُلِّ سَهْرَةٍ عِتْقُ رَقَبَةٍ مِنْ ولْدِ إسْمَاعِيْلَ، وَذلِكَ لِلْمُؤْمِنَاتِ الْخَاشِعَاتِ الصَّابرَاتِ اللاَّتِي لاَ يَكْفُرْنَ الْعَشِيْرَ " فَقَالَتِ السَّوْدَاءُ: أيَا لَهُ فَضْلاً لَوْلاَ مَا تَبعَهُ مِنَ الشُّرُوطِ ".

وروي: أنَّ امْرَأةً مَرَّتْ بعَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ لَهَا شَارَةٌ وَهَيْئَةٍ، فَقَالَ لَهَا ابْنُ عُمَرَ: { وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ }. وقال معاويةُ بن مُرَّةَ: (عَوِّدُوا نِسَاءَكُمْ (لاَ)، فَإنَّهُنَّ سَفِيْهَاتٌ، إنْ أطَعْتَ الْمَرْأةَ أهْلَكَتْكَ).

وعن أبي موسَى الأشعريِّ قالَ: (ثَلاَثَةٌ يَدْعُونَ اللهَ فَلاَ يَسْتَجِيْبَ لَهُمْ: رَجُلٌ كَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأةٌ سَيِّئَةُ الْخُلُقِ فَلَمْ يُطَلِّقْهَا، وَرجُلٌ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَلَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ أعْطَى سَفِيْهاً مَالَهُ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: { وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ } أيِ الْجُهَّالَ بَمَوَاضِعِ الْحَقِّ).

قَوْلُهُ تَعَالَى: { ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَٰماً }. قرأ ابنُ عمر (قَوَاماً) بفتح القافِ والواو، وقرأ عيسَى بن عمر (قِوَاماً) بكسر القاف وهما لُغات. وقرأ الأعرجُ ونافع وابنُ عامر (قيماً) بكسر القاف من غير ألف. وقرأ الباقون (قِيَاماً) بالألف.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا وَٱكْسُوهُمْ }؛ أي أطْعِمُوا النساءَ والأولادَ واكسُوهم من أموالِكم. { وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً }؛ أي عُدُّوهُمْ عُدَّةً حَسَنَةً، نحوَ أن يقولَ الرجلُ: سأفعل كذا إن شاءَ اللهُ، وقيلَ: رُدُّوا عليهم رَدّاً جميلاً، وقولوا لَهم قَوْلاً لَيِّناً تطيبُ به أنفسُهم. والرِّزْقُ من اللهِ تعالى: الْعَطِيَّةُ غَيْرُ الْمَحْدُودَةِ، ومن العبادِ الشيءُ الموظَّف لوقتٍ محدود. وإنَّما قال { فِيْهَا } ولم يقل: مِنْهَا؛ لأنه أرادَ: اجعلوا لَهم حَظّاً فيهَا أي رزْقاً فيها.