الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَٰتُكُمْ وَبَنَٰتُكُمْ وَأَخَوَٰتُكُمْ وَعَمَّٰتُكُمْ وَخَالَٰتُكُمْ وَبَنَاتُ ٱلأَخِ وَبَنَاتُ ٱلأُخْتِ وَأُمَّهَٰتُكُمُ الَّٰتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ وَأُمَّهَٰتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ ٱلَّٰتِي فِي حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّٰتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَٰئِلُ أَبْنَائِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنْ أَصْلَٰبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ ٱلأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَٰتُكُمْ وَبَنَٰتُكُمْ وَأَخَوَٰتُكُمْ وَعَمَّٰتُكُمْ وَخَالَٰتُكُمْ وَبَنَاتُ ٱلأَخِ وَبَنَاتُ ٱلأُخْتِ } ، قال ابنُ عبَّاس: (حَرَّمَ اللهُ مِنَ النِّسَاءِ أرْبَعَةَ عَشَرَ صِنْفاً؛ سَبْعَةٌ بالنَّسَب؛ وَسَبْعَةٌ بالسَّبَب، وَتَلاَ هَذِهِ الآيَةَ ثُمَّ قَالَ: وَالسَّابعَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } [النساء: 22]). والجدَّاتُ - وإن بعُدت - مُحَرَّمَاتٌ؛ لأنَّ اسمَ الأُمَّهَاتِ يَشْمَلُهُنَّ، كما أن اسم الآباء يتناولُ الأجدَادَ وإنْ بَعُدوا، واسمُ البَنَاتِ يتناولُ بناتَ الأولادِ وإن سَفِلْنَ، وقَوْلُهُ تَعَالَى: { وَأَخَوَٰتُكُمْ } يشمَلُ الأخواتِ مِن الأب والأمِّ ومن الأب ومن الأمِّ، قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَعَمَّٰتُكُمْ وَخَالَٰتُكُمْ } يتناولُ عمَّاتِ الأب والأُمِّ وخالاتِ الأمِّ والأب.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَأُمَّهَٰتُكُمُ الَّٰتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ }؛ قال صلى الله عليه وسلم: " يَحْرُمُ مِنَ الرِّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَب " وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " تُحَرِّمُ الْجُرْعَةُ وَالْجُرْعَتَانِ مَا يُحَرِّمُ الْحَوْلاَنِ الْكَامِلاَنِ "

" وعن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أنَّ أفْلَحَ أخَا أبي الْقُعَيْسِ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ الْحِجَاب وَكَانَ عَمُّهَا مِنَ الرِّضَاعَةِ؛ قَالَتْ: فَأَبَيْتُ أنْ آذنَ لَهُ حَتَّى أخْبَرْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: " لِيَلِجَ عَلَيْكِ؛ فَإنَّهُ عَمُّكِ " فَقَالَتْ: إنَّمَا أرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ، ولَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ! فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " لِيَلِجَ عَلَيْكِ فَإنَّهُ عَمُّكِ " ، وَكَانَ أبُو القُعَيْسِ زَوْجَ الْمَرأةِ الَّتِي أرْضَعَتْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ".

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَأُمَّهَٰتُ نِسَآئِكُمْ }؛ قال ابنُ عبَّاس وعطاءُ وسعيد بن جبير: [إنَّ أمَّ الْمَرْأَةِ مُبْهَمَةٌ تَحْرُمُ عَلَى زَوْجِ ابْنَتِهَا بنَفْسِ الْعَقْدِ]. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَرَبَائِبُكُمُ ٱلَّٰتِي فِي حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّٰتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ }؛ لا خِلاَفَ بينَ أهلِ العلم أنَّ كونَها في حُجُورهِ لا يكونُ شرطاً في تحريْمِها وإنَّما ذكرَهُ اللهُ تعالى على عادةِ الناسِ أنَّ الرَّبيْبَةَ تكونُ في حِجْرِ زَوْجِ الأُمِّ، فخرجَ الكلامُ على وفْقِ العادة دونَ الشرطِ، وهذا كقولهِ:وَلاَ تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَٰكِفُونَ فِي ٱلْمَسَٰجِدِ } [البقرة: 187] ومعلومٌ أن المعتكفَ لا يحلُّ له الجماعُ وإن كان قد خرجَ من المسجد لحاجةٍ، إلاَّ أنَّ الغالبَ مِن حالِ العاكفِ أن يكون في المسجدِ، فَقَرَنَهُ بذكرِ المسجدِ.

وأما قَوْلُهُ تَعَالَى: { مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّٰتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ } فمِنَ الناسِ مَن رَدَّ هذا الشرطَ على قوله { مِّن نِّسَآئِكُمُ } وعلى قوله { وَأُمَّهَٰتُ نِسَآئِكُمْ } فَشَرَطَ الدخولَ بالنِّساءِ في المسألتين في بيوت التحريمِ المذكور في الآيةِ؛ على معنى أنَّ اللهَ عَطَفَ حُكماً على حكمٍ وعقَّبهما بشرطِ الدُّخول بقوله: { ٱلَّٰتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ } وهو قولُ بشْرِ بن غيَّاث؛ إلاّ أنَّ هذا لا يَصِحُّ؛ لأنَّ قولَه { وَأُمَّهَٰتُ نِسَآئِكُمْ } جملةٌ مستقلةٌ بنفسِها.

وقَوْلُهُ تَعَالَى: { وَرَبَائِبُكُمُ } بما فيه من شرطِ الدُّخول جملةٌ أخرى مستقلة بنفسِها فلم يَجُزْ بناءُ إحدى الجملتين على الأُخرى، ولو جعلنَا شرطَ الدخولِ راجعاً إلى الأوَّل، لَخَصَّصْنَا عمومَ اللفظِ الأول بالشَّكِّ.

السابقالتالي
2