الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ فَبِظُلْمٍ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ كَثِيراً } * { وَأَخْذِهِمُ ٱلرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } * { لَّـٰكِنِ ٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ مِنْهُمْ وَٱلْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلاَةَ وَٱلْمُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ أُوْلَـٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً }

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { فَبِظُلْمٍ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ }؛ أي فَبكُفْرِ اليهودِ وجُرمِهم حرَّمنا عليهم أشياءَ كانت طَيِّبَةً لَهم في التوراةِ؛ منها: لُحُومُ الإبلِ وألبانُها والشُّحومُ، وكانوا إذا أصابُوا ذنباً عظيماً حَرَّمَ اللهُ عليهم طعاماً طَيِّباً، { وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ كَثِيراً }؛ معناهُ: بسبب مَنْعِهِمُ الناسَ عن دينِ الله وهو الإسلامُ، وَ؛ بسَبَب؛ { وَأَخْذِهِمُ ٱلرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ }؛ وقد نُهوا عن ذلك في التَّوراة، وَ؛ بسبب؛ { وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ }؛ أكلِ أموال الناس بالظُّلمِ، وأخذِ الرِّشَا في الحكمِ.

وقَوْلُهُ تَعَالَى: { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }؛ أي خَلَقْنَا وهيَّأْنَا للكافرينَ منهم عذاباً وَجِيْعاً يَخْلُصُ وجعهُ إلى قلوبهم، وإنَّما خَصَّ الكافرينَ لبيانِ أن مَن يؤمنُ منهم غيرُ داخلٍ في هذا الوعيدِ.

ثُمَّ استثنىَ اللهُ تعالى منهم مَن آمَنَ، فقال تعالى: { لَّـٰكِنِ ٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ مِنْهُمْ وَٱلْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ }؛ أي لكن التائبون مِن أهلِ الكتاب وهم عبدُالله بنُ سلامٍ وأصحابُه، وسَمَّاهم { ٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ } لثباتِهم في العِلْمِ وتَبَحُّرِهِمْ فيه؛ لا يضطربون ولا تَميلُ بهم الشُّبَهُ، بمنْزِلة الشجرةِ الرَّاسخةِ بعروقِها في الأرضِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱلْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ } أي والمؤمنونَ مِن غيرِ أهل الكتاب من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصدِّقون بما أنْزِلَ إليكَ من الفُرْقَانِ، وما فيه من تَحريم هذهِ الأشياءِ عليهم، ويصدِّقون بما أنْزِلَ من قبلِكَ على الأنبياءِ من الكُتُب، { وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلاَةَ }؛ يجوزُ أن يكونَ معناهُ: يؤمنونَ بالنبيِّين المقيمينَ الصلاةَ، فيكون قولهُ { وَٱلْمُقِيمِينَ } نَسَقاً على قولهِ { بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ }.

ويجوزُ أن يكون نَصْباً على المدحِ على معنى: أعْنِي الْمُقِيْمِيْنَ الصَّلاَةَ؛ وَهُمْ: { وَٱلْمُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ }؛ كما يقال: جاءنِي قومُكَ الْمُطْعِمُونَ فِي الْمَحَلِّ؛ وَالْمُعِيْنُونَ فِي الشَّدَائِدِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ أُوْلَـٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً }؛ أي الْمُصَدِّقُونَ باللهِ وبالبعثِ بعدَ الموتِ أولئكَ سنعطيهم ثَوَاباً وافِراً في الجنَّة.