الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُكَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذٰلِكَ فَقَالُوۤاْ أَرِنَا ٱللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذٰلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَىٰ سُلْطَاناً مُّبِيناً }

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { يَسْأَلُكَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ }؛ أي يسألك يا مُحَمَّدُ كعبُ بنُ الأشرفِ وجماعةٌ من اليهود أن تُنَزِّلَ علَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ جُمْلَةً واحدةً كما أنْزِلَتِ التوراةُ على موسى، وهذا حينَ قولوا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذٰلِكَ }؛ أي لا تَعْجَبْ من مسأَلَتِهم إنزالَ الكتاب من السماء بعد أن جاءتْهُم البيِّنات على نبوَّتكَ، فإنَّهم سألُوا موسى بعدما رَأوا الآياتِ أعظمَ من ذلك، { فَقَالُوۤاْ أَرِنَا ٱللَّهَ جَهْرَةً }؛ أي مُعَايَنَةً ظاهرةً مكشفةً؛ وهم السَّبعون الذين كانوا معه عند الجبلِ حين كلَّمَهُ اللهُ، فسألوهُ أن يَرَوا ربَّهم رؤيةً يدركونَهُ بأبصارهم في الدُّنيا. وقال أبو عُبيد: (مَعْنَى الآيَةِ: قَالُواْ جَهْرَةً أرنَا اللهَ) فَجَعَلَ جَهْرَةً صِفَةً لِقَوْلِهِمْ؛ قال: (لأَنَّ الرُّؤْيَةَ لاَ تَكُونُ إلاَّ جَهْرَةً). قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ }؛ أي أخذتْهُم النارُ عقوبةً لَهم بسؤالِهم موسى ما لَمْ يستحقُّوه.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { ثُمَّ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ }؛ أي عَبَدُوا العجلَ من بعد ما جاءتْهُم الدَّلالاتُ على توحيدِ الله، وفي هذا بيانُ جَهْلِ اليهودِ وتَعَنُّتِهِمْ وعِنَادِهِمْ، وأيُّ جَهْلٍ أعظمُ من اتِّخَاذِ العِجْلِ إلَهاً، بعد ظُهُور المعجزاتِ وثُبوتِ الآيات البيِّنات.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَعَفَوْنَا عَن ذٰلِكَ }؛ أي تَجَاوَزْنَا عنهم بعد توبتِهم مع عِظَمِ جنايتِهم وجريْمَتهم ولم نَسْتَأْصِلْهُمْ، دلَّ اللهُ تعالى بذلكَ على سَعَةِ رحمتهِ ومغفرته وتَمام نِعْمَتِهْ ومِنَّتِه، بيَّنَ ذلك أنهُ لا جريْمَة تضيقُ عنها مغفرةُ اللهِ، وفي هذا مَنْعٌ من القُنُوطِ واستدعاءٌ إلى التوبة. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَآتَيْنَا مُوسَىٰ سُلْطَاناً مُّبِيناً }؛ أي أعطيناهُ حُجَّةً على مَن خالفَهُ بيِّنةً ظاهرةً؛ وهي اليَدُ والعصَا.