قَوْلُهُ تَعَالَى: { مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ }؛ يُبَيِّنُ اللهُ تعالى أنَّ المنافقين هم الذينَ أوقعُوا أنفسَهم في الدَّرْكِ الأسفلِ من النار، واستحقُّوا ذلك بنفاقِهم، وإنه ليسَ في حكمةِ الله تعذيبُ مَن شَكَرَ وآمَنَ، وإنَّما في حكمتهِ أن يَجْزِيَ كلَّ عامل بما عَمِلَ، فذلك قَوْلُهُ تَعَالَى: { مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ } أي ما حَاجَتُهُ إلى تعذيبكم أيُّها المنافقونَ إن وحَّدتُم في السِّرِّ وصدَقتُم في إيْمانكم. ويقالُ معنى: { إِن شَكَرْتُمْ } نِعَمَ اللهِ { وَآمَنْتُمْ } بهِ وبكتبه ورُسُلهِ. وَقِيْلَ: فيه تقديمٌ وتأخير؛ أي إن آمنتُم وشكرتُم؛ لأنَّ الشُّكْرَ لا يقعُ مع عدمِ الإيْمان. وبيَّنَ اللهُ تعالى أن تعذيبَ عبادهِ لا يزيدُ في مُلْكِهِ، وأن تركَ عقوبتِهم على فعلهم لا يُنْقِصُ من سُلْطَانِهِ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً }؛ أي شَاكِراً للقليلِ من أعمالكم؛ مُثِيْباً عليها؛ يقبلُ اليَسِير؛ ويعطي الجزيلَ عليها بأضعافِها لكم؛ واحدةٌ إلى عشرةٍ إلى سبعمائة إلى ما شاءَ اللهُ من الأضْعَافِ. والشُّكرُ من العبدِ: هو الاعترافُ بالنِّعمة الواصلةِ إليه مع صِدْقٍ من التعظيمِ، والشُّكْرُ من اللهِ تعالى: هو مجازاتهُ العبدَ على طاعتهِ.