الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً }

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ }؛ أي في الطَّبَقِ الأسفلِ؛ وهي الْهَاوِيَةُ لِمَكْرِهِمْ وخيانتهم للنبيِّ صلى الله عليه وسلم مع إبْطَانِ الكُفر، قال أبو عُبيد: (جَهَنَّمُ أدْرَاكٌ مَنَازلٌ، كُلُّ مَنْزِلَةٍ مِنْهُ دَرْكٌ). ومن قرأ (الدَّرْكِ) بإسكان الرَّاء، وهو لغةٌ؛ وأكثرُ القرَّاء على فتحِها. والدَّرَكَاتُ في النَّار مثلُ الدرجَاتِ في الجنَّة، كل ما كان من درجاتِ الجنَّة أعلَى؛ فثوابُ مَن فيه أعظمُ، وما كان من دَرَكَاتِ النار أسفلَ؛ فعقابُ مَن فيه أشَدُّ. وسُئل ابنُ مسعودٍ عن الدَّرْكِ الأسْفَلِ؛ فقالَ: (هُوَ تَوَابيْتُ مِنْ حَدِيْدٍ؛ مُبْهَمَةٌ عَلَيْهِمْ لاَ أبْوَابَ لَهَا).

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً }؛ أي مانعاً يَمنع عنهُم العذابَ، وعن عبدِالله بنِ عمرَ؛ (أنَّ أشَدَّ النَّاسِ عَذاباً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلاَثَةٌ: الْمُنافِقُونَ؛ وَمَنْ كَفَرَ مِنْ أصْحَاب الْمَائِدَةِ؛ وَآلُ فِرْعَوْنَ). قال اللهُ تعالى في أصحاب المائدة:فَإِنِّيۤ أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ } [المائدة: 115] وقالَ:أَدْخِلُوۤاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ } [غافر: 46] وقالَ: { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ }.

فإن قِيْلَ: مَا وجهُ التَّوْفِيْقِ بين هذه الآيةِ وبينَ قولهِ تعالى:أَدْخِلُوۤاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ } [غافر: 46]؟ قِيْلَ: لا يَمتنعُ أن يجتمعَ القومُ في موضعٍ واحد ويكون عذابُ بعضِهم أشدَّ من عذاب بعضٍ، ألا ترَى أن البيتَ الداخلَ في الحمَّامِ يجتمعُ فيه الناس، فيكون بعضُهم أشدَّ أذىً بالنار؛ لكونه أدنَى إلى موضعِ الوَقُودِ. وكذلك يجتمعُ القوم في القعودِ في الشَّمس، ويتأذى الصَّفْرَاويُّ منها أشدُّ وأكثر من تأذِّي السَّوْدَاوِيِّ.

والْمُنَافِقُ في اللغة: مأخوذ من النَّفَقِ؛ وهو السِّرْبُ؛ أي استَترَ بالإسلامِ كما يَسْتَتِرُ الرجلُ بالسِّرْب. وَقِيْلَ: هو مأخوذٌ من قولِهم: نَافَقَ الْيَرْبُوعُ؛ إذا دخل نَافِقَاءَهُ؛ فإذا طُلِبَ من النَّافِقَاءِ خرج من النافقاء؛ والنَّفْقَاءُ؛ والقَاصِعَةُ؛ والرَّاهِطَاءُ؛ وَالدَّامَّاءُ حُجْرَةُ اليربوعِ.