الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى ٱلّجَنَّةِ زُمَراً حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ } * { وَقَـالُواْ ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ فَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى ٱلّجَنَّةِ زُمَراً }؛ وذلك أنَّ المؤمنين يُنطَلَقُ بهم إلى الجنَّة فَوْجاً فوجاً بالتلطُّفِ والإكرامِ، { حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا }؛ قال الأخفشُ: (هَذِهِ الْوَاوُ زَائِدَةٌ) وَالْمَعْنَى: فُتِحَتْ أبْوَابُهَا حَتَّى تَكُونَ جَوَاباً لِقَوْلِهِ { حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا }. وقال الزجَّاجُ: (الْقَوْلُ عِنْدِي أنَّ الْجَوَابَ مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: حَتَّى إذا جَاؤُهَا وَفُتِحَتْ أبْوَابُهَا وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ خَزَنَتُهَا سَارُوا إلَى السَّعَادَةِ وَوَصَلُواْ إلَى مَقْصُودِهِمْ).

وَقِيْلَ: هذه الواوُ واوُ الحالِ تقديرهُ: حتى إذا جاؤُها وَقد فُتحت أبوابُها، وأدخل الواو ها هنا لبيانِ أنَّها قد كانت مفتَّحةً قبل مجيئِهم، وحذفَها من الآية الأُولى لبيانِ أنَّها قد كانت مُغلقةً قبلَ مجيئهم.

ويقالُ: زيدَتِ الواوُ ها هنا لأن أبوابَ الجنَّة ثمانيةٌ وأبوابَ جهنَّم سبعةٌ فزيدت الواوُ فَرْقاً بينهما. وحُكي عن أبي بكرِ بن عيَّاش: (أنَّهَا تُسَمَّى وَاو الثَّمَانِيَةِ) وَذلِكَ أنَّ مِنْ عَادَةِ قُرَيْشٍ أنَّهُمْ يَعُدُّونَ الْعَدَدَ مِنَ الْوَاحِدِ إلَى الثَّمَانِيَةِ، فَإذا بَلَغُواْ الثَّمَانِيَةَ زَادُوا فيهَا الْْوَاوَ، فَيَقُولُونَ: خَمْسَةٌ سِتَّةٌ سَبْعَةٌ وَثَمَانِيَةٌ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَىسَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ } [الحاقة: 7]، وَقَالَ اللهُٱلتَّائِبُونَ ٱلْعَابِدُونَ } [التوبة: 112] فَلَمَّا بَلَغَ الثامنوَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ } [التوبة: 112]، وَقَالَ تَعَالَىسَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ } [الكهف: 22]، وَقَالَ تَعَالَىثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً } [التحريم: 5]. وَقِيْلَ: زيادةُ الواوِ في صفة الجنَّة علامةٌ لزيادةِ رحمةِ الله تعالى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ }؛ قال ابنُ عبَّاس: (مَعْنَى قَوْلِهِ { طِبْتُمْ } أيْ طَابَ لَكُمُ الْمُقَامُ)، وَقِيْلَ: معناهُ ظَفرتُم بصالحِ أعمالكم وكنتم طيِّبين في الدنيا. وَقِيْلَ: طابت لكم الجنَّة فادخلُوها خالِدين. فلما دخَلُوها { وَقَـالُواْ ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ } ، أي أنْجَزَنا وعدَهُ، { وَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ } ، وأنزلنا أرضَ الجنَّة، { نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ }؛ أي نتَّخذُ فيها من المنازلِ ما نشاءُ، لقولِ الله تعالى { فَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ }؛ أي نِعمَ ثوابُ العاملين للهِ في الدُّنيا الجنَّةُ.