الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ }؛ أي ما عرَفُوا اللهَ حقَّ معرفتهِ، ولا عظَّموهُ حقَّ تعظيمهِ، إذ عبَدُوا الأوثانَ مِن دونهِ، وأمَرُوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعبادةِ غيره. ثم أخبرَ عن عظَمتهِ فقالَ: { وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ }؛ أي وجميعُ الأرضِ في مَقدُورهِ يومَ القيامةِ كالذي يقبضُ عليه القابضُ في قَبضَتهِ، وهذا كما يقالُ: فلانٌ في قبضةِ فلانٍ؛ أي تحتَ أمرهِ وقبضَتهِ، والقَبْضَةُ في اللغة: ما قَبَضْتَ عليهِ بجمعِ كفِّكَ، أخبرَ اللهُ تعالى عن قُدرتهِ فذكرَ أن الأرضَ كلَّها مع عَظَمتِها وكثافَتِها في مَقدُورهِ، كالشَّيء الذي يَقبضُ عليه القابضُ بكَفَّه.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ }؛ ذكرَ اليمينَ للمبالَغةِ في الاقدار، يعني أنَّهُ يَطوِيها بقُدرتهِ كما يطوِي الواحدُ منَّا الشيءَ المقدورَ له طَيُّهُ بيمينهِ، قال الأخفَشُ: (مَعْنَاهُ مَطْوِيَّاتٌ فِي قُدْرَتِهِ نَحْوَ قَوْلِهِ أوْ مَا مَلَكَتْ أيْمَانُكُمْ؛ أيْ مَا كَانَتْ لَكُمْ عَلَيْهِ قُدْرَة وَلَيْسَ الْمُلْكُ لِليَمِينِ دُونَ الشِّمَالِ). وقد يُذكَرُ اليمينُ بمعنى القوَّة كما قالَ الشاعرُ:
إذا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ   تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ بالْيَمِين
ثُم نَزَّهَ نفسَهُ عن شِركهم فقالَ: { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ }.