الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوْتِـهَا وَٱلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِـهَا فَيُمْسِكُ ٱلَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا ٱلْمَوْتَ وَيُرْسِلُ ٱلأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوْتِـهَا وَٱلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِـهَا } معناهُ: اللهُ يقبضُ الأرواحَ عند انقضاءِ آجَالِها، ويقبضُ الأرواحَ التي لم تَمُتْ في منامِها، { فَيُمْسِكُ ٱلَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا ٱلْمَوْتَ وَيُرْسِلُ ٱلأُخْرَىٰ }؛ فيحبسُ الأرواحَ التي قَضَى عليها الموتَ ولا يردُّها إلى الأجسادِ، ويَرُدُّ أرواحَ النائمين إليهم عند الاستيقاظِ، { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى }؛ أي إلى الأجلِ الذي قدَّرَ اللهُ لهم وهو انقضاءُ الأجَلِ، { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ }؛ إن في رَدِّ الأرواحِ بعد القبضِ لعلاماتٍ، { لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }؛ في قُدرةِ الله تعالى، فيستدلُّون بذلك على قُدرتهِ على البعثِ.

قال الزجَّاجُ: (لِكُلِّ إنْسَانٍ نَفْسَانِ؛ أحَدُهُمَا: نَفْسُ التَّمْييزِ؛ وَهِيَ الَّتِي تُفَارقُهُ إذا نَامَ فَلاَ يَعْقِلُ. وَالأُخْرَى: نَفْسُ الْحَيَاةِ؛ إذا زَالَتْ زَالَ مَعَهَا النَّفَسُ، وَالنَّائِمُ يَتَنَفَّسُ). وعن ابن جُريج عن ابنِ عبَّاس أنه قالَ: (إنَّ النَّفْسَ الَّتِي هِيَ الْعَقْلُ وَالتَّمْييزُ، وَالرُّّوحُ هُوَ الشُّعَاعُ الَّذِي بهِ يَتَحَرَّكُ الإنْسَانُ، فَإذا نَامَ الْعَبْدُ قَبَضَ اللهُ نَفْسَهُ وَلَمْ يَقْبضْ رُوحَهُ، وَإذا مَاتَ قَبَضَ نَفْسَهُ وَرُوحَهُ).

ويقالُ: إن الأشباحَ له نفسٌ وروح وحياةٌ، والبهائمُ لها أرواحٌ، والنباتُ له حياةٌ، فنَمَا النباتُ بحياتهِ، وتحرَّكَ البهائمُ بأرواحِها، وتَمييزُ الإنسان بنفسِه، فإذا نامَ غَرَبَ عنه عقلهُ وفَهمهُ وتَمييزهُ، فإذا انتبهَ عادَ كما كان، وكذلك الميِّتُ إذا بُعِثَ عادَ يبعث كما كانَ.

" وسُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أيَنَامُ أهْلُ الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ: " النَّوْمُ أخُو الْمَوْتِ، وَأهْلُ الْجَنَّةِ لاَ يَنَامُونَ وَلاَ يَمُوتُونَ " وروي أن في التوراةِ مكتوبٌ: يا بن آدمَ كما تنامُ تموتُ، وكما تستيقظُ تُبعَثُ.

وقوله { فَيُمْسِكُ ٱلَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا ٱلْمَوْتَ } أي يُمسِكُها عن جسدِ، يعني الروحَ التي توفَّاها فلا تعودُ إلى الجسدِ، وقوله { وَيُرْسِلُ ٱلأُخْرَىٰ } يعني النَّفسَ إلى الجسدِ { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } أي إلى انقضاءِ الأجلِ.

قرأ الأعمشُ وحمزة والكسائي وخلف: (قُضِيَ عَلَيْهَا) بضمِّ القاف وكسرِ الضاد وفتح الياء، ورفعِ (الْمَوْتُ) على ما لَمْ يُسمَّ فاعلهُ. وقرأ الباقون: (قََضَى) على الفعلِ الماضي، ونصب (الْمَوْتَ عَلَيْهَا).

قَوْلُهُ تَعَالَى: { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ }؛ قال المفسِّرون: إن أرواحَ الأحياءُ والأموات تلتقِي في المنامِ فتعارَفُوا ما شاءَ اللهُ، ثم يُمسِكُ اللهُ أرواحَ الأمواتِ فلا يردُّها، وأرسلَ أرواحَ الأحياءِ إلى الأجسادِ إلى وقتِ انقضاء مدَّة حياتِها. وعن رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم أنه قالَ: " إذا أوَى أحَدُكُمْ إلَى فِرَاشِهِ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى جَنْبهِ الأَيْمَنِ، وَلْيَقُلْ: باسْمِكَ رَبي وَضَعْتُ جَنْبِي وَبكَ أرْفَعُهُ، إنْ أمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا، وَإنْ أرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بمَا تَحْفَظُ بهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ ".