الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ }؛ اختلَفُوا في سبب فتنةِ سُليمان، قال بعضُهم: سمعَ سليمانُ بمدينةٍ في جزيرةٍ من جزائرِ البحر يقالُ لها صَدُوقُ، بها مَلِكٌ عظيمُ الشَّأنِ، فخرجَ سليمانُ إلى تلك المدينةِ تحملهُ الرِّيح حتى نزلَ بها بجنودهِ من الجنِّ والانسِ، فقَتَلَ ملِكَها وسَبَا ما فيها، وأصابَ فيما أصابَ بنتاً لذلك الملكِ يقالُ " لها " جَرَادَةٌ، لَمْ يُرَ مثلها حُسناً وجمالاً.

فدعَاها سليمانُ إلى الاسلامِ فأسلَمَت على قلَّة نيَّة منها، ولم يعلَمْ سليمانُ ما في قلبها، فتزوَّجَها وأحبَّها محبةً شديدة لم يُحِبَّ أحداً من نسائهِ، فكانت عندَهُ لا يذهبُ حزنُها ولا يرقَى دمعُها، فشُقَّ ذلك على سليمان، وقال لَها: ويحَكِ! ما هذا الحزنُ الذي لا يذهبُ؟ قالت: إنِّي أذكرُ أبي أذكرُ مُلكَهُ وما كان فيه وما أصابَهُ، فيُحزِنُني ذلك. قال سليمانُ: قد أبدَلَكِ اللهُ به مَلِكاً هو أعظمُ من مُلكه، وسُلطاناً خَيراً من سُلطانهِ، وهَداكِ للإسلامِ، وهو خيرٌ مِن ذلك كلِّه. قالت: هو كذلكَ؛ ولكن إذا ذكرتُ أبي أصابَني ما ترَى من الحزن، فلو أمرتَ الشَّياطين فصوَّرُوا صورتَهُ في داري التي أنَا فيها آرَاها بُكرةً وعشِيّاً لرجوتُ أنْ يُذْهِبَ ذلك حُزني، ويسَلِّي عني بعضَ ما أجدُ. فأمرَ سُليمان الجنَّ فمَثَّلوا لها صورةَ أبيها في دارها كأنَّه هو، إلاَّ أنه لا روحَ فيه، فعمَدَت إليه حين صَنَعُوهُ فآزَرَتْهُ وقمَّصَتْهُ وعَمَّمَتْهُ وردَته بمثل ثيابهِ التي كان يلبسُها.

وكان إذا خرجَ سُليمان من دارها تغدُو عليه في ولائدِها حتى تسجدَ له ويسجُدنَ هُنَّ له، وكذلكَ كانت تعملُ بالعَشِيِّ وسليمانُ عليه السلام لا يعلمُ شيئاً من ذلك، فكانت على ذلك أربعينَ صباحاً، وبلغَ ذلك آصِفَ بن برخيا وكان صدِّيقاً، فقال لسُليمان عليه السلام: إنَّ غيرَ اللهِ يُعبد في دارك منذُ أربعين صَباحاً في هوَى امرأةٍ، قال: فِي داري؟! قال: في داركَ، قال: إنَّا للهِ وَإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ.

ثم رجعَ سُليمان إلى دارهِ فكَسَرَ ذلك الصنمَ وعاقَبَ تلك المرأةِ وولائدَها، ثم خرجَ إلى فَلاَةٍ من الأرضِ وحدَهُ، فأمَرَ برمادٍ قد رُشَّ، ثم أقبلَ تائباً إلى اللهِ حتى جلسَ على ذلك الرمادِ وتَمَعَّكَ فيه بثيابهِ تذلُّلاً لله عَزَّ وَجَلَّ وتضرُّعاً إليه، يدعُو ويبكي ويستغفرُ مما كان في دارهِ، فلم يزل يومَهُ كذلك حتى أمسَى ثم رجعَ.

وكانت أُمُّ ولَدٍ يقالُ لها الأَمِينَةُ، كان إذا دخلَ لقضاءِ حاجته وضعَ خََاتَمَهُ عندَها حتى يتطهَّرَ، وكان لا يَمَسُّ خاتَمهُ وإلاَّ وهو طاهرٌ، وكان مُلكه في خاتَمهِ، فوضعَ يوماً من الأيامِ خاتَمه عندها كما كان يضعهُ، ثم دخلَ موضعَ الحاجةِ فأتاها الشيطانُ صاحبُ البحرِ وكان اسمهُ صَخْراً على صورةِ سُليمان لا تُنكِرُ منه شيئاً، فقال: يا أمِينَةُ هاتِ خاتَمي، فناولَتْهُ إياهُ، فجعلَهُ في يدهِ ثم خرجَ حتى جلسَ على سريرِ سُليمان، وعكفَتْ عليه الطيرُ والجن والإنسُ.

السابقالتالي
2