الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } * { قَالُوۤاْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ } * { قَالُواْ بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } * { وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ } * { فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَآ إِنَّا لَذَآئِقُونَ } * { فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ }؛ أي أقبلَ الشياطين والمشركون يسألُ بعضهم بعضاً سؤالَ توبيخٍ، { قَالُوۤاْ } ، فيقولُ المشركون للشياطين: { إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ }؛ فتُزَيِّنوا لنا الضَّلالةَ، وتَردُّوننا عن الخيرِ، { قَالُوا } ، فيقولُ لهم الشياطين: { بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ }؛ إنما كان الكفرُ مِن قِبَلِكم، { وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ }؛ أي من قوَّةٍ فنُجبرَكم على الكفرِ، { بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ }؛ أي مُتجاوزين ضَالِّين.

وقال الحسنُ فِي مَعْنَى الآيَةِ: (وَأقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ؛ أيْ أقْبَلَ التَّابعُونَ عَلَى الْمَتْبُوعِينَ مِنْ بَنِي آدَمَ، فَيَقُولُونَ: لَوْلاَ أنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ، فَيَقُولُ لَهُمُ الرُّؤَسَاءُ: مَا أجْبَرْنَاكُمْ عَلَى الْكُفْرِ بَلْ كَفَرْتُمْ بسُوءِ اخْتِيَاركُمْ، فَيَقُولُ لَهُمُ التَّابعُونَ: إنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ؛ أيْ مِنْ أقْوَى الْجِهَاتِ، وَذلِكَ أنَّ جِهَةَ الْيَمِينِ أقْوَى مِنْ جِهَةِ الشِّمَالِ، كَمَا أنَّ الْيَمِينَ أقْوَى مِنَ الشِّمَالِ) وتقديرهُ: خدَعتُمونا بأقوَى الوجُوهِ، واليمينُ هي القوَّة، قَالَ اللهُ تَعَالَى:فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِٱلْيَمِينِ } [الصافات: 93] أي بالقوَّة.

وقال قتادةُ: (مَعْنَى: إنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ؛ أيْ تَمْنَعُونَنَا عَنْ طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى) فََيَقُولُ الرُّؤَسَاءُ: لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ فِي الأَصْلِ، إذا لَمْ تَكُونُوا تُرِيدُونَهُ، فَكَيْفَ إجْبَارُكُمْ عَلَيْهِ وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سَلْطَنَةِ الإجْبَار عَلَى الْكُفْرِ، { فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَآ }؛ أي فوجبَ علينا جَميعاً كلمةُ ربنا بالعذاب والسُّخط، وهي قَوْلُهُ تَعَالَى:لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ } [الأعراف: 18].

وقوله: { إِنَّا لَذَآئِقُونَ }؛ أي لذائِقُوا العذاب، فالضَّالُّ والْمُضِلُّ في النار، وقولهُ تعالى: { فَأَغْوَيْنَاكُمْ }؛ أي أضْلَلْنَاكم عن الهدَى ودعوناكم إلى الغِوَايَةِ، { إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ } ، بأنفُسِنا.