الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْيَ قَالَ يٰبُنَيَّ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْيَ }؛ أي فلمَّا بلغَ ذلك الغلامُ معه حالةَ السَّعيِ في طاعةِ الله تعالى، كما قَالَ اللهُ تَعَالَى:وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَٰعِيلُ } [البقرة: 127]، وَقِيْلَ: معناهُ: فلما بلغَ أن يمشِي معه، وقال مجاهدُ: (لَمَّا شَبَّ حَتَّى بَلَغَ أنْ يَتَصَرَّفَ مَعَهُ وَيُعِينَهُ، وَكَانَ يَوْمَئِذٍ ابْنَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ سَنَةً). وَقِيْلَ: أرادَ بالسَّعي في الوقتِ الذي ينتفعُ الوالدُ بالولدِ في قضاءِ حوائجه.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { قَالَ يٰبُنَيَّ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ }؛ أي رأيتُ في المنامِ رُؤيا تأويلُها أنِّي أذبَحُكَ، وَقِيْلَ: رأيتُ في المنامِ أنِّي أذبَحُكَ، قال مقاتلُ: (رَأى إبْرَاهِيمُ ذلِكَ فِي الْمَنَامِ ثَلاَثَ لَيَالٍ مُتَوَالِيَاتٍ)، قال ابنُ جبير: (رُؤْيَا الأَنْبيَاءِ وَحْيٌ)، وقال قتادةُ: (رُؤَى الأَنْبيَاءِ حَقٌّ، إذا رَأَوا شَيْئاً فَعَلُوهُ).

وقولهُ تعالى: { فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ }؛ أي مِن الرأيِ فيما ألقيتُ إليكَ، وقرأ حمزةُ والكسائيُّ: (مَاذا تُرِي) بضمِّ التاء وكسرِ الراء، ومعناهُ: ماذا تُشِيرُ وماذا تُرِيني من صَبرِكَ أو جَزَعِكَ؟ { قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ }؛ به من ذبحِي، { سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ }؛ على بَلائهِ، وإنما قالَ له إبراهيمُ هذا القولَ مع كونهِ مأمُوراً بذبحهِ؛ لأنه أحبَّ أن يعلمَ صبرَهُ وعزيمتَهُ على أمرِ الله وطاعته.

وفي الآيةِ دلالةٌ على أنَّ إبراهيمَ كان مأمُوراً بذبحِ ولَدهِ، لأن رُؤيَا الأنبياءِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ وَحْيٌ بمنْزِلة الوحيِ إليهم في اليقظَةِ، ولذلك قالَ الابنُ: { يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ } ولَم يقل: افعل ما رأيتَ في المنامِ.

واختلَفُوا في الذبيحِ مَن هو؟ فذهبَ الأكثَرون إلى أنه إسحاقُ، وإليه ذهبَ من الصَّحابة عمرُ بن الخطَّاب وعليُّ بن أبي طالبٍ وعبدُالله بن مسعودٍ وعبَّاسُ بن عبدِالمطَّلب، ومِن التابعين كعبُ الأحبار وسعيدُ بن جبير وقتادةُ ومسروق وعكرمة وعطاءُ ومقاتل والزهريُّ والسدي.

وقال آخرُونَ: هو إسماعيلُ، وهو قولُ ابنِ عمر وابنِ عبَّاس وسعيدِ بن المسيَّب والشعبيِّ والحسن ومجاهدٍ والكلبيِّ والربيع بن أنسٍ ومحمَّد بن كعب القُرَظِيِّ. وروُي عن أبي إسحاق الزجَّاج أنه قال: (اللهُ أعْلَمُ أيُّهُمَا الذبيحُ).

وسياقُ الآيةِ يدلُّ على أنه إسحاق؛ لأنه تعالَى قالفَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ } [الصافات: 101] ولا خلافَ أنه إسحاقَ، ثم قالَ: فلما بلغَ معه السعيَ، فعطفَ بقصَّة الذبحِ مع ذكر اسحاق، وقد رُوي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم القولانِ، ورُوي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الَّذِي أرَادَ إبْرَاهِيمُ ذبْحَهُ هُوَ إسْحَاقُ ".

وعن معاويةَ رضي الله عنه أنه قالَ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ عُدَّ عَلَيَّ مِمَّا أفَاءَ اللهُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ الذبيحَيْنِ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَ مُعَاويَةُ وَمَنِ الذبيحَانِ؟ فَقَالَ: [إنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِب لَمَّا حَفَرَ زَمْزَمَ نَذرَ للهِ تَعَالَى لَئِنْ سَهَّلَ اللهُ أمْرَهُ لَيَذْبَحَنَّ أحَدَ وَلَدِهِ، فَخَرَجَ السَّهْمُ عَلَى عَبْدِاللهِ، فَمَنَعَهُ أخْوَالُهُ وَقَالُواْ: إفْدِ ابْنَكَ بمِائَةٍ مِنَ الإبلِ، فَفَدَاهُ بمِائَةٍ مِنَ الإبلِ، وَالذبيحُ الثَّانِي إسْمَاعِيلُ]، ويدلُّ على صحَّة هذا قولهُ عليه السلام:

السابقالتالي
2 3