الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ ٱلْحَقَّ وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ ٱلْحَقَّ وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ }؛ قرأ ابنُ عامرٍ ويعقوب: (فَزَّعَ) بفتح الفاء والزاي، وقرأ غيرُهما بضمِّ الفاءِ وكسرِ الزاي. والمعنى: حتى إذا كُشِفَ الفزعُ والجزَعُ عن قلوبهم. ومَن قرأ بالفتحِ فالمعنى: حتَّى إذا كَشَفَ اللهُ الفزعَ عن قلوبهم.

واختلَفُوا في هذه الكتابةِ والموصُوفِين بهذه الصِّفةِ، مَن هم؟ ومَن النَّصَب الذي مِن أجلهِ فَزَّعَ عن قلوبهم؟ فقال قومٌ: همُ الملائكةُ. واختلَفُوا في سبب ذلك، فقال بعضُهم: إنَّما فَزَّعَ عن قلوبهم مِن غَشْيَةٍ تصيبُهم عند سَماعِ كلامِ الله عَزَّ وَجَلَّ.

قال عبدُالله بنُ مسعودٍ: (إذا تَكَلَّمَ اللهُ تَعَالَى بالْوَحْيِ، سَمِعَ أهْلُ السَّمَاءِ صَلْصَلَةً مِثْلَ صَلْصَلَةِ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفْوَانِ، فِيُصْعَقُونَ لِذلِكَ وَيَخُرُّونَ سُجَّداً، فَإذا عَلِمُوا أنَّهُ وَحْيٌ فَزَّعَ عَنْ قُلُوبهِمْ فَتُرَدُّ إلَيهِمْ، فَيُنَادِي أهْلُ السَّمَاواتِ بَعْضُهُمْ بَعْضاً: (ماذا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبيرُ).

وعن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنهُ قال: " إنَّ اللهَ تَعَالَى إذا تَكَلَّمَ بالْوَحْيِ، سَمِعَ أهْلُ السَّمَاءِ صَلْصَلَةً كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفَا، فيُصْعَقُونَ فَلاَ يَزَالُونَ كَذلِكَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ جِبْرِيْلُ، فَيَقُولُونَ لَهُ: مَاذا قَالَ رَبُّكَ؟ قَالَ: يَقُولُ الْحَقَّ ".

وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إذا قَضَى اللهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ، ضَرَبَتِ الْمَلاَئِكَةُ بأَجْنِحَتِهَا خُضُوعاً لِقَوْلِهِ، كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ، فَإذا فَزَّعَ عَنْ قُلُوبهِمْ، قَالُواْ: مَاذا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُواْ: الْحَقَّ ".

وقال صلى الله عليه وسلم: " إذا تَكَلَّمَ اللهُ بالْوَحْيِ، أخَذتِ السَّمَاوَاتُ مِنْهُ رَجْفَةً أوْ رَعْدَةً شَدِيْدَةً خَوْفاً مِنَ اللهِ تَعَالَى، فَإذا سَمِعَ ذلِكَ أهْلُ السَّمََاوَاتِ صُعِقُواْ وَخَرُّواْ سُجَّداً، فَيَكُونُ أوَّلُ مَنْ رَفَعَ رَأسَهُ جِبْرِيْلُ عليه السلام، فَيُكَلِّمُهُ اللهُ مِنْ وَحْيهِ بمَا أرَادَ، ثُمَّ يَمُرُّ جِبْرِيْلُ بالْمَلاَئِكَةِ، فَكُلَّمَا مَرَّ بسَمَاءٍ سَأَلَهُ مَلاَئِكَتُهَا: مَاذا قَالَ رَبُّنَا يَا جِبْرِيْلُ؟ فَيَقُولُ جِبْرِيْلُ: قَالَ الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبيْرُ، فَيَقُولُ مِثْلَ مَا قَالَ جِبْرِيْلُ، فَيَنْتَهِي جِبْرِيْلُ بالْوَحْيِ حَيْثُ أمَرَ اللهُ ".

وقال مقاتلُ والكلبيُّ: (لَمَّا كَانَتِ الْفَتْرَةُ بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم خَمْسُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ عَاماً، فَلَمَّا بَعَثَ اللهُ مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم كَلَّمَ اللهُ تَعَالَى جِبْرِيْلَ بالرِّسَالَةِ إلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَسَمِعَتِ الْمَلاَئِكَةُ الصَّوْتَ بالْوَحْيِ، فَظَنُّواْ أنَّهَا الْقِيَامَةُ قَامَتْ، فَصُعِقُواْ مِمَّا سَمِعُواْ، فَلَمَّا انْحَدَرَ جِبْرِيْلُ بالرِّسَالَةِ، جَعَلَ أهْلُ كُلِّ سَمَاءٍ يَسْأَلُونَهُ عَلَى وَجْهِ التَّعَرُّفِ بَعْدَ مَا انْكَشَفَ الْفَزَعُ عَنْ قُلُوبهِمْ، قَالُواْ: مَاذا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالَ جِبْرِيْلُ وَمَنْ مَعَهُ: قَالَ الْحَقَّ).

وَقِيْلَ: لَمَّا سَمعَتِ الملائكةُ الوحيَ صُعِقُوا فَخَرُّوا سُجَّداً ظَانِّينَ أنَّها القيامةُ، فلما نَزَلَ جبريلُ بالوحيِ انكشَفَ فزَعُهم فرَفَعُوا رُؤوسَهم، وقال بعضُهم لبعضٍ: (مَاذا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُواْ الْحَقَّ) يعنِي الوحيَ { وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ } أي الغالبُ القاهر السيِّدُ المطاعُ الكبيرُ العظيم، فلا شيءَ أعظمَ منهُ.

وقرأ الحسنُ (حَتَّى إذا فَزِعَ عَنْ قُلُوبهِمْ) بالعَينِ المعجمةِ والزَّاي بمعنى فَزِعَتْ قلوبُهم من الفزَعِ، وذهبَ بعضُ المفسِّرين إلى أنَّ قولَهُ { حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ } راجعٌ إلى المشرِكينَ، فإنَّهم إذا شاهَدُوا أهوالَ يومِ القيامةِ غَشِيَ عليهم، فيُزِيلُ اللهُ ذلك عن قلوبهم، ثُم تقولُ لَهم الملائكةُ: مَاذا قَالَ رَبُّكُمْ في الدُّنيا والآخرةِ؟ فيقولونَ: الْحَقَّ، فأَقَرُّوا حين لا ينفعُهم الإقرارُ.