الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَٱتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِٱلآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفُيظٌ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَٱتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }؛ قرأ أهلُ الكوفةِ (صَدَّقَ) بالتشديدِ؛ أي ظنَّ فيهم ظَنّاً حيثُ قال:قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [ص: 82]وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } [الأعراف: 17] فصدَّقَ ظنَّهُ وحقَّقهُ بفعلهِ ذلك واتِّباعِهم إيَّاه. وقرأ الآخَرونَ (صَدَقَ) بالتخفيفِ؛ أي صَدَقَ عليهم في ظَنِّهِ بهم.

وقَوْلُهُ تَعَالَى { عَلَيْهِمْ } أي على أهلِ سَبأ، وقال مجاهدُ: عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ إلاَّ مَنْ أطَاعَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ { فَٱتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } وهمُ الَّذين قَالَ اللهُ تَعَالَى فيهِمإِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } [الاسراء: 65].

وَقِيْلَ: إن إبليسَ لَمَّا وَسْوَسَ إلى آدمَ وعمِلتْ فيه وَسْوَسَتُهُ، طَمِعَ في ذرِّيته؛ فقال: إنَّهُ مع فضلهِ وعقْلهِ، وعَمِلَتْ فيه وسْوَسَتِي؛ فكيفَ لا تعملُ في ذرِّيتهِ؟ فأخبرَ اللهُ في هذه الآيةِ: أنَّ القومَ اتبعُوهُ فصدَّقُوا ظَنَّهُ، إلاَّ طائفةً مِن المؤمنينَ لَم يتَّبعوهُ في شيءٍ.

وَقِيْلَ: إنَّ ابليسَ لَمَّا سألَ النَّظِرَةَ فأَنْظَرَهُ اللهُ تعالى قال: لأَضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلأُمَوِّهَنَّهُمْ، ولَم يكن في وقتِ هذه المقالةِ مُستَيقِناً، وإنَّما قالَ ظَنّاً منهُ، فلما اتَّبَعُوهُ وأطاعوهُ صَدَقَ عليهم ما ظَنَّهُ فيهم.

وقَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ }؛ أي ما كانَ لأبليسَ عليهم من حُجَّةٍ ولا نَفَاذِ أمْرٍ إلاّ بالتَّزيين والوَسْوَسَةِ. وقَوْلُهُ: { إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِٱلآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ }؛ أي ما كان تُسْلِيْطُنَا إياه عليهم إلاّ لنعلمَ المؤمنينَ مِن الشاكرين.

والمعنى: ما سَلَّطْنَاهُ عليهم إلاّ لنعلمَ إيْمانَ المؤمنِ ظَاهراً وكُفْرَ الكافرِ ظَاهِراً، وقد يذكرُ العلمُ ويراد به الإظهارُ. وقَوْلُهُ تَعَالَى: { وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفُيظٌ }؛ أي عالِمٌ بكلِّ شيء مِن الإيْمَانِ وشَكٍّ وغيرِ ذلك.