الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَٱشْكُرُواْ لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ }؛ قال فروةُ بن مُسَيكٍ: " أتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْتُهُ عَنْ سَبَأ مَا هُوَ؟ فَقَالَ: " رَجُلٌ مِنَ الْعَرَب أوْلَدَ عَشْرَةَ أوْلاَدٍ، تَيَامَنَ مِنْهُمْ سِتَّةٌ، وَتَشَامَّ مِنْهُمْ أرْبَعَةٌ. فَأَمَّا الَّذِيْنَ تَيَامَنُواْ فَالأَزْدُ وَكِنْدَةُ وَحِمْيَرُ وَمُذْحَجُ وَالأَشْعَرِيُّونَ وَإنْمَارُ وَمِنْهُمْ بَجِيْلَةُ. وَأمَّا الَّذِيْنَ شَامُوا فعَامِلَةُ وَغَسَّانُ وَلَخْمٌ وَجُذامُ " والمرادُ بسَبَأ القبيلةُ الذين هُم مِن أولادِ سَبَأ بنِ يَشْجُبَ بنِ يَعْرُبَ بن قَحطَانَ.

وقَوْلُهُ تَعَالَى: { فِي مَسْكَنِهِمْ } أنه كانت مساكِنُهم بمَأْرَبَ مِن اليَمَنِ (آيَةً) أي علامةً يدلُّ على قُدرةِ اللهِ وأنَّ الْمُنْعِمَ عليهم هو اللهُ تعالى. ثُم فسَّر تلكَ الآيةِ فقالَ: { جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ }؛ أي عَن يَمين وَادِيهم وشِمالهِ قد أحاطَتَا بذلك الوادِي الذي بين مسَاكِنهم.

والمعنى: لقد كان لأهلِ سَبَأَ في مواضِعِهم علامةٌ، وهي جَنَّتَانِ؛ أي بُستَانَانِ؛ إحدَاهُما عن يَمينِ الطريقِ، وأُخرَى عن يسار الطَّريقِ، ويقالُ: كان بُستَانَين عن يَمين الطريقِ وبُستانَين عن شِمال الطريقِ، إلاّ أنَّ البَساتينَ كلَّ واحدٍ مِن الجانبين سُمي جَنَّةً لاتِّصالِ بعضِها ببعضٍ، وكانوا في النِّعمةِ بحيثُ كانتِ المرأةُ تَمشِي في تلك الطريقِ بين البساتينِ وعلى رأسِها الزَّنبيلُ فيمتلئُ من ألوانِ الفاكهةِ مِن غيرِ أن تَمَسَّ شيئاً بيدِها.

قرأ حمزةُ والنخعيُّ وحفص (فِي مَسْكَنِهِمْ) بفتحِ الكاف على الواحدِ، وقرأ الأعمشُ والكسائي وخلَف: (مَسْكِنَهُمْ) بكسر الكاف على الواحد أيضاً، وقرأ الباقون: (مَسَاكِنِهِمْ) على الجمعِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ }؛ أي قيلَ لَهم: (كُلُوا مِنْ رِزْقِ ربَكُمْ) يعني هذه النِّعَمَ، { وَٱشْكُرُواْ لَهُ }؛ أي للهِ على نعمةِ هذه، وهذا حدُّ الكلامِ، اثُم ابتدأ فقال: { بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ }؛ أي هذه بلدةٌ طيبة أو لكُم بلدةٌ طيبة، يعني ليست بسَبْخَةٍ، ولَم يكن يُرَى بعوضةٌ قَطُّ، ولا ذُبابٌ ولا بَرغُوثٌ ولا حيَّةٌ ولا عقربٌ، وأنَّ الرجلَ الغريبَ ليأتِيَها وفي ثوبهِ القملُ والدوابُّ، فحين يرَى بُيوتَهم تَموتُ الدوابُ والقملُ. والمعنى: بلدةٌ طيِّبةُ الهواءِ. وقَوْلُهُ تَعَالَى: { وَرَبٌّ غَفُورٌ }؛ أي غفورُ الخطَايَا، كثيرُ العطايَا.