قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ ٱلأَدْبَارَ }؛ قِيْلَ: إنَّهم بنُو حارثةَ هَمُّوا يومَ أُحُدٍ أن يَفْشَلُوا مع بني سَلَمَةَ، فلمَّا نزلَ فيهم ما نزلَ، عاهَدُوا اللهَ أن لا يعُودُوا لِمثلِها. وقال قتادةُ: (هُمْ قَوْمٌ كَانُواْ غَابُواْ عَنْ وَقْعَةِ بَدْر، وَرَأواْ مَا أعْطَى اللهُ أهْلَ بَدْر مِنَ الْكَرَامَةِ وَالْفَضِيْلَةِ، فَقَالُواْ: لَئِنْ أشْهَدَنَا اللهُ قِتَالاً لَنُقَاتِلَنَّ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الأَحْزَاب لَمْ يَفُواْ بذلِكَ الْعَهْدِ). ومعنى الآيةِ: ولقد كانُوا عاهَدُوا اللهَ من قَبْلِ غَزوةِ الخندق { لاَ يُوَلُّونَ ٱلأَدْبَارَ } أي لا ينهَزِمون ولا يُوَلُّونَ العدوَّ ظُهورََهم. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: { وَكَانَ عَهْدُ ٱللَّهِ مَسْئُولاً }؛ أي مُطَالَباً مَسْؤُولاً عنه مُحَاسَباً عليهِ، يُسأَلُونَ عنه في الآخرةِ. ثُم أخبرَ اللهُ أنَّ الفرارَ لا يزيدُهم في آجالِهم؛ فقالَ: { قُل لَّن يَنفَعَكُمُ ٱلْفِرَارُ إِن فَرَرْتُمْ مِّنَ ٱلْمَوْتِ أَوِ ٱلْقَتْلِ }؛ أي مِن حَضَرَ أجَلهُ ماتَ أو قُتِلَ، فكلاهُما مكتوبٌ عليكم. وقَوْلُهُ تَعَالَى: { وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً }؛ أي إنْ فرَرْتُمْ من الموتِ أو القَتْلِ في هذه الوقعةِ لَمْ يُمَتَّعُوا إلاَّ قليلاً حتى يلحَقُكم أحدُ الأمرَين. والمعنى: لا تَمَتَّعُونَ بعدَ الفرار في الدُّنيا إلاَّ مدَّةَ أجَلِكُمْ. ثُم أخبرَ اللهُ تعالى أنَّ ما قًَدَّرَهُ عليهم وأرادَهُ بهم لا يُدْفَعُ عنهم، قَوْلُهُ تَعَالَى: { قُلْ مَن ذَا ٱلَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ }؛ أي مَن الذي يُجِيرُكم ويَمنعُكم من اللهِ، { إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوۤءاً }؛ أي هَلاَكاً وهزِيْمةً، { أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً }؛ أي خَيراً وهو النصرُ. وهذا كُلُّهُ أمرٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم أن يُخاطِبَهم بهذه الأشياءِ. ثُم أخبرَ الله أنه لا ينفَعُهم قريبٌ ولا نَاصِرٌ ينصرُهم من اللهِ، فقال تعالَى: { وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً }.