الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوۤاْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَٱشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ } * { فَمَنْ تَوَلَّىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ }

قوله عَزَّ وَجَلَّ: { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ }؛ قرأ سعيدُ بن جبير (لَمَّا) بتشديد الميمِ، وقرأ حمزةَُ (لِمَا) بكسر اللامِ والتخفيف، وقرأ الباقون بالفتحِ والتخفيفِ. فمن فَتَحَ وخفَّف فهي لامُ الابتداءِ أدخلت على (مَا)، كقولِ القائلِ: لَزَيدٌ أفضلُ من عمرٍو، و (مَا آتَيتُكُمْ) اسمٌ، والذي بعده صلةٌ. وجوابه: { لَتُؤْمِنُنَّ بهِ } ، وإن شئتَ جعلتَ خبر (مَا) من كتابٍ، وتكون (مِنْ) زائدة معناه: لِمَا آتيتُكم كتاباً وحكمةً. ثم ابتدأ فقال: { ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ } أي ثم إن جاءكم رسولٌ مصدِّق لِمَا معكُم لتُؤْمِنُنَّ بهِ، اللامُ لامُ القسَم؛ تقديرهُ: وَاللهِ لَتُؤْمِنُنَّ بهِ، فوكَّده في أول الكلام بلام التوكيدِ وفي أجزاءِ الكلام بلاَمِ القسَم كأنه استحلَفَهم: وَاللهِ لَتُؤْمِنُنَّ بهِ. وأخذُ الميثاقِ في معنى التَّحليفِ؛ لأن الْحِلْفَ وَثِيْقَةٌ، وموضع (مَا) في قولهِ (لِمَا) نُصِبَ بقوله (آتَيْتُكُمْ)، كأنهُ قالَ: لِلَّذي اتَيْتُكُمُوهُ مِنْ كِتَابٍ. وقال الزجَّاج: (هَذِهِ لاَمُ التَّخْفِيْفِ دَخَلَتْ عَلَى (مَا) لِلْجَزَاءِ؛ وَمَعْنَاهُ: لَهُمَا آتَيْتُكُمْ). ودخولُ اللاَّم في الشَّرطِ والجواب للتوكيدِ كما في قولهِ تعالى:وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِٱلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } [الإسراء: 86] وكما يقولُ: لَئِنْ جئتَني لأكرمتُكَ.

ومن قرأ (لِمَا) بالكسر والتخفيف فهي لاَمُ الإضافةِ دخلت على (مَا) التي هي بمعنى الَّذي؛ ومعناه: للَّذي أتيتُكم؛ يعني: الذي أخذ ميثاقَ النبيين لأجْلِ الذي آتينَاهُم من كتابٍ وحكمةٍ؛ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَمَآ آتَيْنَاكُمْ مِّن كِتَابٍ): قرأ نافعُ بالألف والنُّون على التَّعْظِيْمِ؛ لأنَّ عِظَمَ الشَّأْنِ قد يُعَبرُ عن نفسِه بلفظِ الجمعِ. وقرأ الآخرونَ (آتَيْتُكُمْ). واختلفَ المفسِّرون في المعنِيِّ بهذه الآية، فقال قومٌ: إنَّما أخذ الميثاقَ على الأنبياءِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ: أن يُصَدِّقَ بعضُهم بعضاً، ويأمُرَ بعضُهم بالإيْمان ببعضٍ، فذلك معنَى النُّصْرَةِ بالتصديقِ، وهذا قولُ ابن جُبير وطاوُوس وقتادةَ والحسنِ والسديِّ، يدلُّ عليه ظاهرُ الآية. قالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: (لَمْ يَبْعَثِ اللهُ نَبيّاً إلاَّ أخَذ عَلَيْهِ الْعَهْدَ مِنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ، وَأخَذ الْعَهْدَ عَلَى قَوْمِهِ لَيُؤمِنُنَّ بهِ؛ وَلَئِنْ بُعِثَ وَهُمْ أحْيَاءٌ لَيَنْصُرُنَّهُ).

وقال بعضُهم: إنَّما أخذ الميثاق على أهلِ الكتاب؛ وهو قولُ مجاهدٍ والربيعِ قَالُواْ: (ألاَ تَرَى إلَى قولهِ: { ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ } إنَّمَا كَانَ مُحَمَّدٌ مَبْعُوثاً إلَى أهْلِ الْكِتَاب دُونَ النَّبيِّيْنَ). وقال بعضُهم: إنَّما أخذ العهدَ على النبيِّين وأُمَمِهم؛ واكتفَى بذِكْرِ الأنبياءِ عن ذكرِ الأُمم؛ لأنَّ أخذ الميثاقِ على المتبُوعِ دلالةٌ على أخذهِ على الأتْبَاعِ، وهذا قولُ ابنِ عباس وهو أوْلَى بالصواب.

قوله عَزَّ وَجَلَّ: { قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِي }؛ أي قالَ اللهُ تعالى لأنبيائهِ: أقْرَرْتُمْ بما أمرتُكُم به على ما قُلْتُ لكم وقَبلْتُمْ على ذلكم عَهْدِي.

السابقالتالي
2