الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ أَن يُؤْتَىۤ أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }

قوله عَزَّ وَجَلَّ: { وَلاَ تُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ }؛ حكايةُ قولِ كعب بن الأشرَف وأصحابه قالُوا لليهودِ: لا تصدِّقوا إلاَّ لِمن تَبعَ دينَكم اليهوديَّة، وصلَّى إلى قِبلتكم نحوَ بيتِ المقدس.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { قُلْ إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ }؛ قال بعضُهم: هذا كلامُ مُعْتَرِضٌ بين كَلاَمَي اليهودِ، ويجوزُ دخولُ العارضِ بين الكلامين اذا احتيجَ إليه كما دخلَ على قولهِ تعالى:إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً } [الكهف: 30] ثم عَادَ إلى أوَّل الكلامِ فقالَ تعالى:أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ } [الكهف: 31] كذا قَوْلُهُ تَعَالَى: { قُلْ إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ } عارضَ ثم عادَ إلى كلامِ اليهود، فقالَ تعالى: { أَن يُؤْتَىۤ أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ }؛ أي قالُوا لا تصدِّقوا أن يعطَى أحدٌ من الكتاب والعلم مثلَ ما أعطيتُم؛ { أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ }؛ أي يحاجكم أحدٌ، { قُلْ }؛ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ إنَّ الْهُدَى هُدَى اللهِ و؛ { إِنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ }؛ فلا تُنْكِروا أن يُؤْتِهِ غيرَكم.

وقال بعضُهم: ليسَ في الآيةِ تقديمٌ وتأخير، ومعناهُ: قالَت اليهودُ: ولا تؤمِنُوا إلاَّ لِمن تَبعَ دينَكم، قلْ يَا مُحَمَّدُ إنَّ الْهُدَى هُدَى اللهِ؛ فَلاَ تَجحدوا أن يُؤْتَى أحدٌ مثلَ ما أوتيتم، أو يُحَاجُّكُمْ أحدٌ عند ربَّكم، (قُلْ): إنَّ الْفَضْلَ بيَدِ اللهِ، { يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ }؛ أي النبوة والكتاب والهدى بقدرة الله تعالى يعطيه من يشاء، { وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }؛ أي واسعُ الفضلِ والقدرةِ، عَلِيْمٌ بمن هوَ من أهلِ الفضلِ.

وقيل معنى الآيةِ: ولاَ تؤمنُوا إلاَّ لِمن تَبعَ دينَكم أي ملَّتَكم، ولا تؤمنُوا إلاَّ أنْ يؤتى أحدٌ مثلَ ما أوتيتم من العلمِ والحكمَةِ؛ والكتاب والحجة؛ والْمَنِّ وَالسَّلوى؛ وفَلْقِ البحرِ وغيرِها من الكرامَات، ولا تؤمنُوا إلاَّ أنْ يجادلُوكم عند ربكم لأنكم أصحُّ ديناً منهم، وهذا قولُ مجاهدٍ.

وقال ابن جُريج: (مَعْنَاهُ: أنَّ الْيَهُودَ قَالَتْ لِسَفَلَتِهِمْ: لاَ تُؤْمِنُواْ إلاَّ لِمَنْ تَبعَ دِيْنَكُمْ كَرَاهَةَ أنْ يُؤْتَى أحَدٌ مِثْلَ مَا أُوْتِيْتُمْ؛ فَأيُّ فَضْلٍ يَكُونُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ حَيْثُ عَمِلُواْ مَا عَمِلْتُمْ، وَحِيْنَئذٍ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبكُمْ فَيَقُولُونَ: عَرَفْتُمْ أنَّ دِيْنَنَا حَقٌّ؛ فَلاَ تُصَدِّقُوهُمْ لِئَلاَّ يَعْلَمُواْ مِثْلَ مَا عَلِمْتُمْ فَلاَ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبكُمْ). ويجوزُ أن تكونَ (إلاَّ) على هذا القول مضمرةً لقولهِ تعالى:يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ } [النساء: 176] ويكونُ تقديرُه: ولاَ تؤمنوا إلاَّ لِمَنْ تَبعَ دينَكم؛ لئلاَّ يؤتَى أحدٌ مِثْلَ ما أوتيتم؛ لئلا يحاجُّوكم به عند ربكم.

وقرأ الحسنُ والأعمش (إنْ يُؤْتَى) بكسرِ الألف، وجهُ هذه القراءةِ: أنَّ هذا مِن قول الله عَزَّ وَجَلَّ بلا اعتراضٍ، وأن يكونَ كلامُ اليهود منتهياً عندَ قوله { إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ }. ومعنى الآية: قُلْ يَا مُحَمَّدُ إنَّ الْهُدَى هُدَى اللهِ أنْ يؤتَى أحدٌ مثلَ ما أوتيتم يا أمَّةَ مُحَمَّدٍ أو يُحَاجُّوكُمْ؛ يعني: إلاَّ أنْ يحاجُّوكم أي يجادِلوكُم اليهودُ بالباطلِ فيقولوا نحنُ أفضلُ مِنكم.

السابقالتالي
2