الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ آمِنُواْ بِٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكْفُرُوۤاْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }

قوله عَزَّ وَجَلَّ: { وَقَالَتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ آمِنُواْ بِٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكْفُرُوۤاْ آخِرَهُ }؛ قال مجاهدُ ومقاتل والكلبيُّ: (هَذا فِي شَأْن الْقِبْلَةِ لَمَّا صُرِفَتِ الْقِبْلَةُ إلَى الْكَعْبَةِ، شُقَّ ذلِكَ عَلَى الْيَهُودِ، فَقَالَ كَعْبُ بْنُ الأَشْرَفِ لأَصْحَابهِ: آمِنُواْ بالَّذِي أنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ فِي شَأْنِ الْكَعْبَةِ وَصَلُّواْ إلَيْهَا أوَّلَ النَّهَار ثُمَّ اكْفُرُواْ بالْكَعْبَةِ آخِرَ النَّهَار، وَارْجِعُوا إلَى قِبْلَتِكُمْ صَخْرَةَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ). { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }؛ أي لعلَّهم يقولون هؤلاءِ أصحابُ كتابٍ، وهم أعْلَمُ منَّا، فربَّما يرجعون إلى قِبلتنا، فَحَذرَ اللهُ نَبيَّهُ مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم مَكْرَ هؤلاءِ القومِ وأطْلَعَهُ على سرِّهم.

وقال بعضُهم: إنَّ علماءَ اليهود قالوا فيما بينَهم: كنَّا نخبرُ أصحابَنا بأشياءَ قد أتى بها مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، فإن نحنُ كفرْنَا بها كلَّها اتَّهَمَنَا أصحابُنا، ولكن نؤمنُ ببعضٍ ونكفرُ ببعضٍ لنوهِمَهم أنَّا نصدِّقه فيما نصدِّقه، ونريهم أنَّا نكذِّبه فيما ليسَ عندنا. ويقال: إنَّهم أتَوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم في صدر النَّهار، فقالُوا: أنْتَ الذي أخبرنا في التوراةِ إنكَ مبعوثٌ، ولكن أنْظِرْنَا إلى العَشِيِّ لِنَنْظُرَ في أمْرِنا.

فلمَّا كان العَشِيُّ أتَوا الأنصارَ فَقَالُوا لَهم: كنَّا أعلمنَاكُم أنَّ مُحَمَّداً هو النبيُّ الذي هو مكتوبٌ في التوراة، إلاَّ أنَّا نظرنَا في التوراةِ فإذا هو مِن ولدِ هارون عليه السلام ومحمدٌ صلى الله عليه وسلم من ولد إسْمَاعِيْلَ بنِ إبراهيمَ، فليس هو النبيُّ الذي هو عندَنا. وإنَّما فعلُوا ذلك لعلَّ مَن آمنَ به منهم يَرْجِعُ، لأنَّ هذا يكونُ أقربَ عندهم إلى تشكيكِ المسلمين.

ووجهُ الشَّيء أوَّلُهُ، يقالُ لأَوَّلِ الثوب وَجْهُ الثوب، ويسمَّى أوَّلُ النهار وَجْهَهُ لأنهُ أحْسَنُهُ.