الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } * { إِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ }؛ معناهُ: وجِئتُكُمْ { مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ } أي أتيتُ بالتوراةِ وأحكامِها وصَدَّقْتُهَا، وقيل: يعني بالتصديقِ أنَّ في التوراةِ البشارةَ بي، فإذا خرجتُ فقد صُدَّقْتُ ذلكَ، ولا يجوزُ أن يكون { ومُصَدِّقاً } عطفاً على { وَرَسُولاً } لأنه لو كان ذلكَ لقالَ ومصدِّقاً لِما بينَ يديهِ.

قوله عَزَّ وَجَلَّ: { وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ }؛ لأنه كانَ في التوراةِ أشياءٌ مُحرَّمة حَلَّلَ عيسى بعضَها وهو العملُ في يومِ السبت؛ وشحومُ البقرِ والغنمِ وسائرِ ما حُرِّمَ عليهم بظُلْمِهِمْ. وقيل: معناها: ولأحلَّ لكم كلَّ الذي حَرَّم عليكُم أحبارُكم لا ما حرَّمَ أنبياؤُكم، ويكونُ البعضُ بمعنى الكلِّ، واستدلَّ صاحبُ هذا القولِ بقول لَبيْدٍ:
تَرَّاكُ أمْكِنَةٌ إذا لَمْ أرْضَهَا   أوْ يَعْتَلِقْ بَعْضَ النُّفُوسِ حِمَامُهَا
قيلَ: معناهُ: كلُّ النفوسِ. وقال الزجَّاج: (لاَ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ الْبَعْضُ عِبَارَةً عَنِ الْكُلِّ؛ لأَنَّ بَعْضَ الشَّيْءِ جُزْءٌ مِنْهُ). قال: (وَمَعْنَى قَوْلِ لَبيْدٍ: أوْ مَا يَعْتَلِقُ نَفْسِي حِمَامُهَا؛ لأنَّ نَفْسَهُ بَعْضُ النُّفوسِ). وقرأ النخعِيُّ: (وَلاَُ حِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حَرُمَ عَلَيْكُمْ) أي صَارَ حَرَاماً.

قوله عَزَّ وَجَلَّ: { وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ }؛ أي أحلُّ لكم شيئاً مِما حُرِّم عليكم من غير برهان، بل أتيتُكم بعلامةِ نُبُوَّتِي. قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ }؛ أي اتَّقُوا اللهَ فيما أمرَكم ونَهاكم وأطيعونِ فيما أبيِّنُه لكم؛ { إنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ }؛ أي قالَ لَهم عيسَى إنَّ اللهَ خالِقي وخالقكم فوحِّدُوه؛ { هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ }؛ أي هذا الذي أدعُوكُم إليهِ طريقِي فِي الدِّين فلا عِوَجَ لَهُ، مَن سَلَكَهُ أدَّاهُ إلى الحقِّ.