الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ }. قال عليٌّ رضي الله عنه قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " لَمَّا أرَادَ اللهُ تَعَالَى أنْ يُنَزِّلَ الْفَاتِحَةَ؛ وَآيَةَ الْكُرْسِيِّ؛ وَشَهِدَ اللهُ؛ وَقُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ، تَعَلَّقْنَ بالْعَرْشِ وَقُلْنَ: تُهْبطُنَا دَارَ الذُّنُوب وَإلَى مَنْ يَعْصِيْكَ؟! فَقَالَ اللهُ تَعَالَى: وَعِزَّتِي وَجَلاَلِي؛ مَا مِنْ عَبْدٍ قَرَأكُنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ إلاَّ أسْكَنْتُهُ حَضْرَةَ الْعَرْشِ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ، وَإلاَّ نَظَرْتُ إلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِيْنَ نَظْرَةً، وَإلاَّ قَضَيْتُ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِيْنَ حَاجَةً، أدْنَاهَا الْمَغْفِرَةَ، وَأعَذْتُهُ مِنْ كُلِّ عَدُوٍّ وَنَصَرْتُهُ عَلَيْهِ، وَلاَ يَمْنَعُهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إلاَّ أنْ يَمُوتَ "

ومعنى الآيةِ: قال ابنُ عبَّاس: (لَمَّا فَتَحَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ وَوَعَدَ أمَّتَهُ مُلْكَ فَارسَ وَالرُّومَ، قَالَ الْمُنَافِقُونَ وَالْيَهُودُ: هَيْهَاتَ، مِنْ أيْنَ لِمُحَمَّدٍ مِلْكُ فَارسَ وَالرُّومَ، هُمْ أعَزُّ وَأمْنَعُ مِنْ ذلِكَ، ألَمْ يَكْفِ مُحَمَّداً مَكَّةَ وَالْمَدِيْنَةَ حَتَّى أطْمَعَ نَفْسَهُ فِي مُلْكِ فَارسَ وَالرُّومِ).

ويقالُ في وجه اتِّصال هذه الآية بما قبلَها: إنَّ اليهودَ قالواُ: لا نتبعُكَ؛ فإنَّ النبوَّة والملكَ لم يزل في أسلافِنا بني إسرائيل، فَأنزلَ اللهُ هذه الآيةَ. ومعناها: قُلْ يا مُحَمَّدُ: يا اللهُ يَا مَالِكَ الْمُلْكِ.

وإنَّما زيدت الميمُ لأنَّها بدلٌ عن (يَا) التي هي حرفُ النداءِ، ألا تَرَى أنه لا يجوزُ في الإخبار إدخالُ الميم؛ لا يقالُ: غَفَرَ اللَّهُمَّ لي كما يقالُ في النداء اللَّهُمَّ اغْفِرْ ((لي))؛ ولهذا لا يجوزُ الجمع بين ((ما كان)) الميم في آخرهِ والنداء في أوَّله، لأنه لا يجوزُ الجمع بين العِوَضِ والمعوَّض، وإنَّما شُدِّدت الميمُ لأنَّها عِوَضٌ عن حرفين، فإنَّ النداءَ حرفان، وهذا اختيارُ سيبويه. وقال الفرَّاء: (مَعْنَى قَوْلِ الْقَائِلِ: اللَّهُمَّ يَا اللهُ أمَّ بخَيْرٍ؛ أي أقْصُدْ. طُرِحَتْ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ عَلَى الْهَاءِ).

قَوْلُهُ تَعَالَى: { مَالِكَ ٱلْمُلْكِ } أي مالِكَ كلِّ مَلِكٍ، هذه صفةٌ لا يستحقُّها أحدٌ غيرُ الله، وقيل: معناه: مالِكَ أمرِ الدنيا والآخرة. وقال مجاهدُ: (أرَادَ بالْمُلْكِ هُنَا النُّبُوَّةَ)، وقيل: إنَّ هذا لا يصلُح لأنَّه قالَ: { وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ } واللهُ تعالى لا يَنْزِعُ النبوَّةَ من أحدٍ؛ لأنه لا يريدُ لأداءِ الرسَالة إلاّ مَن يعلمُ أنه يؤدِّي الرسالةَ على الوجه، وأنَّهُ لا يغيِّرُ ولا يبدِّلُ، لأنه عالِمٌ بعواقب الأمور.

ومعنى: { تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ } أي تُعطي الملكَ من تشاء أنْ تعطيه. وقال الكلبيُّ: { تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ } يَعْنِي مُحَمَّداً وَأصْحَابَهُ، { وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ } أيْ مِنْ أبي جَهْلٍ وَأصْحَابهِ). وقيل معناه: { تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ } يعني العربَ، { وَتَنْزِعَ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ } يعني الرُّوم والعجمَ وسائر الأممِ.

السابقالتالي
2