الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِ وَقُلْ لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ ٱهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَٰغُ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِ }؛ أي فإنْ خاصمُوكَ يا مُحَمَّدُ في الدِّين؛ فَقُلْ: انْقَدْتُ للهِ وحدَهُ بلسانِي وجميعِ جوارحِي، وإنَّما خصَّ الوجهَ لأنه أكرمُ جوارحِ الإنسان وفيه بَهاؤُهُ وتعظيمُه، فإذا خضعَ وجههُ لشي فقد خضعَ له سائرُ جوارحهِ التي دونَ الوجهِ. قال الفرَّاء: (مَعْنَاهُ: أخْلَصْتُ عَمَلِي للهِ، وَالْوَجْهُ الْعَمَلُ).

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمَنِ ٱتَّبَعَنِ } في موضعِ رفعٍ عطفاً على إنِّي أسْلَمْتُ؛ أي أسلمتُ وَمَنِ اتَّبَعَنِي أسلمَ أيضاً كما أسلمتُ، والأصلُ إثباتُ الياء في (تَبعَنِي) لكن حُذفت للتخفيفِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَقُلْ لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ }؛ الذينَ أُوتُوا الكِتَابَ همُ اليَهُودُ والنصارَى؛ والأُمِّيُّونَ مشرِكو العرب؛ أي قُلْ لَهُمْ أخْلَصْتُم كما أخلصنَا، { فَإِنْ أَسْلَمُواْ } اخلصُوا؛ { فَقَدِ ٱهْتَدَواْ }؛ مِن الضلالِ؛ { وَّإِن تَوَلَّوْاْ }؛ عنِ الإِسلامِ وقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْزٌ ابْنُ اللهِ؛ { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَٰغُ }؛ بالرِّسَالةِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ }؛ أي عالِمٌ بمن يؤمنُ ومَن لا يؤمن، لا يفوتُه شيءٌ من أعمالِهم التي يُجازيهم بها.

قال الكلبيُّ: " لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ذكَرَ ذلِكَ لَهُمْ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ فَقَالَ أهْلُ الْكِتَاب: أسْلَمْنَا، قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لِِلْيَهُودِ: " تشْهَدُونَ أنَّ عِيْسَى كَلِمَةُ اللهِ وَعَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؟ " قَالُواْ: مَعَاذ اللهِ؛ وَلَكِنَّهُ ابْنُ اللهِ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَٰغُ } " { وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } أي عليمٌ بصير بمن يؤمنُ وبمَنْ لا يؤمنُ؛ وبأهْلِ الثَّواب وبأهلِ العقَاب.

فإن قيلَ: قَوْلُهُ: { وَمَنِ ٱتَّبَعَنِ } عَطْفٌ على المضمرِ في قولهِ: { أَسْلَمْتُ } والعربُ لا تعطفُ الظاهرَ على المضمرِ؟ قيلَ: إنَّما لا تعطفُ إذا لم يكن بين الكلامَين فاصلٌ، أمَّا إذا كان بينَهما فاصلٌ جازَ.

قَوْلُهُ { أَسْلَمْتُ } لفظهُ استفهامٌ ومعناهُ أمْرٌ؛ أي أسْلِمُوا كقولهِ تعالى:فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } [المائدة: 91] أي انْتَهُوا.