الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ ٱلْغُرُورِ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ }؛ قرأ الأعمش: (ذَائِقَةٌ) بالتنوين، ونصبَ (الْمَوْتَ)، قال ابنُ عبَّاس: (لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى:كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ } [الرحمن: 26] قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ: هَلَكَ أهْلُ الأَرْضِ. فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ أيْقَنَتِ الْمَلاَئِكَةُ بالْهَلاَكِ). وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " لَمَّا خَلَقَ اللهُ آدَمَ اشْتَكَتِ الأَرْضُ إلَى رَبهَا لِمَا أخِذ مِنْهَا؛ فَوَعَدَهَا أنْ يَرُدَّ إلَيْهَا مَا أخَذ مِنْهَا، فَمَا مِنْ أحَدٍ إلاَّ يُدْفَنُ فِي التُّرْبَةِ الَّتِي أخِذ مِنْهَا " ورأى أبوُ هريرةُ قَبْراً جديداً، فَقَالَ: (سُبْحَانَ اللهِ! انْظُرُواْ كَيْفَ سَبَقَ هَذا الْعَبْدُ إلَى تُرْبَتِهِ الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا).

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } أي تُعْطَوْنَ جزاءَ أعمالِكم يومَ القيامةِ، إنْ خَيراً فخيرٌ؛ وإنْ شَرّاً فَشَرٌّ، لا تَغْتَرُّوا بِنِعَمِ الكُفَّار، ولا تَحْزَنُواْ لشدائدِ المؤمنيْنَ، فإنَّ كِلاَ الفريقينَ يَتَفَرَّقُونَ؛ فلا بُؤْسُ يبقَى ولا نعيمٌ في الدُّنيا.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ }؛ أي أُبْعِدَ عنها؛ { وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ }؛ أي نَجَا وَسَعِدَ وَظَفَرَ بما يرجُو. قوله تعالى: { وَما ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ ٱلْغُرُورِ }؛ متاعُ الدُّنيا مثلُ القِدْر والقَصْعَةِ والفأسِ، يتمتَّعُ بهذه الأشياءِ؛ أي يُنْتَفعُ بها ثم تذهبُ فتفنَى، كذلك الحياةُ الدُّنيا. وقيل: { مَتَاعُ ٱلْغُرُورِ } مَا يُغَرُّ به الإنسانُ في الحالِ، فكما أنَّ التاجرَ يهربُ من متاعِ الغرور وهو ما يسرعُ إليه الفسادُ مثلَ الزُّجاجِ، والَذِي يسرعُ إليه الكسرُ ويصلحُه الجبرُ؛ كذلك ينبغِي للحيِّ أن يهربَ من الدُّنيا الفانيةِ إلى متاعِ الآخرةِ.

وعن عبدِ اللهِ بن عمرَ؛ قَالَ: (لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَجَّيْنَاهُ بثَوْبٍ، وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ نَبْكِي، فَأَتَانَا آتٍ نَسْمَعُ صَوْتَهُ وَلاَ نَرَى شَخْصَهُ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَقُلْنَا: وَعَلَيْكُمُ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، فَقَالَ: { كُلُّ نَفْسٍ ذَائقَةُ المَوْتِ } إلَى آخِرِ الآيَةِ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ فِي اللهِ خََلَفاً لِكُلِّ هَالِكٍ؛ وَعَزَاءً مِنْ كُلِّ مُصِيْبَةٍ؛ وَدَرْكاً مِنْ كُلِّ فَائِتٍ، فَباللهِ فَاتَّقُواْ وَإيَّاهُ فَارْجُوا، فَإنَّ الْمُصَابَ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ). قالَ: (فَتَحَدَّثْنَا أنَّهُ جِبْرِيْلُ عليه السلام).