الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ }؛ قال مجاهدُ: (لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى:مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } [البقرة: 245] قَالَتِ الْيَهُودُ: إنَّ اللهَ يَسْتَقْرِضُ مِنَّا وَنَحْنُ أغْنِيَاءُ). قال الحسنُ: (إنَّ قَائِلَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ حُيَيُّ ابْنُ أخْطَبَ). قال عكرمةُ والسُّدِّيُّ ومقاتلُ: " كَتَبَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مَعَ أبي بَكْرٍ رضي الله عنه إلَى الْيَهُودِ يَدْعُوهُمْ إلَى الإسْلاَمِ وَإلَى إقَامَةِ الصَّلاَةِ وَإيْتَاءِ الزَّكَاةِ وَأنْ يُقْرِضَ اللهَ قَرْضاً حَسَناً، فَدَخَلَ أبُو بَكْرٍ مَدَارسَهُمْ؛ فَوَجَدَ نَاساً كَثِيراً مِنْهُمْ قَدِ اجْتَمَعُواْ عَلَى رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ فِنْحَاصَ بْنِ عَازُورَا؛ وَكَانَ مِنْ عُلَمَائِهِمْ، فَقَالَ أبُو بَكْرٍ رضي الله عنه لِفِنْحَاصَ: إتَّقِ اللهَ وِأسْلِمْ، فَوَاللهِ إنَّكَ تَعْلَمُ أنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ تَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَكُمْ فِي التَّّوْرَاةِ وَالإنْجِيْلِ؛ فآمِنْ وَصَدِّقْ وَأقْرِضِ اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُدْخِلْكَ الْجَنَّةَ. فَقَالَ فِنْحَاصُ: يَا أبَا بَكْرٍ تَزْعُمُ أنَّ رَبَّنَا يَسْتَقْرِضُ مِنَّا أمْوَالَنَا، وَمَا يَسْتَقْرِضُ إلاَّ الْفَقِيْرُ مِنَ الْغَنِيِّ، فَإنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقّاً فَإنَّ اللهَ فَقِيْرٌ وَنَحْنُ أغْنِيَاءُ. فَغَضِبَ أبُو بَكْرٍ رضي الله عنه وضَرَبَ وَجْهَ فِنْحَاصَ ضَرْبَةً شَدِيْدَةً، وَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ؛ لَوْلاَ الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ لَضَرَبْتُ عُنُقَكَ يَا عَدُوَّ اللهِ. فَذَهَبَ فِنْحَاصُ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ؛ انْظُرْ مَا صَنَعَ بي صَاحِبُكُمْ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم لأَبي بَكْرٍ: " مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ " فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ قَالَ قَوْلاً عَظِيْماً زَعَمَ أنَّ اللهَ فَقِيْرٌ وَهُمْ أغْنِيَاءُ، فَغَضِبْتُ للهِ تَعَالَى وَضَرَبْتُ وَجْهَهُ. فَجَحَدَ فِنْحَاصُ، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةُ رَدّاً عَلَى فِنْحَاصَ، وَتَصْدِيْقاً لأَبي بَكْرٍ رضي الله عنه: { لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ } ".

قَوْلُهُ تَعَالَى: { سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ }؛ أي سَيَكْتُبُ الكاتبونَ الكرامُ عليهم بأمرِنا قولَهم؛ { وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ }؛ بلا جُرْمٍ لَهم فيجازيهم به. وقرأ حمزةُ والأعمش (سَيُكْتَبُ) بياءٍ مضمُومة وفتحِ التاء (وَقَتْلُهُمْ الأَنْبيَاءَ) بالرفع. { وَنَقُولُ }؛ بالياءِ اعتباراً بقراءةِ ابنِ مسعود، وقال: { ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ }؛ أي النَّار، وإنَّما قالَ (الْحَرِيْقِ) لأنَّ النارَ اسمٌ للملتهبَةِ وغيرِ الملتهبةِ، والحريقُ اسم منها.