الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ }؛ روى أنسٌ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " مَن قرأ شَهِدَ الله أنَّهُ لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ عِنْدَ مَنَامِهِ خَلَقَ اللهُ تَعَالَى مِنْهَا سَبْعِيْنَ ألْفَ خَلْقٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " وعن سعيدِ بن جُبير قالَ: (كَانَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ ثَلاَثُمِائَةٌ وَسُتُّونَ صَنَماً؛ لِكُلِّ حَيٍّ مِنْ أحْيَاءِ الْعَرَب صَنَمٌ أوْ صَنَمَانِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ أصْبَحَتْ تِلْكَ الأصْنَامُ كُلُّهَا وَقَدْ خَرَّتْ سُجَّداً).

وعنِ ابن مسعودٍ أنهُ قالَ: [مَنْ قَرَأ { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } إلَى قَوْلِهِ: { إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الاِسْلاَمُ } وَقَالَ: أنَا أشْهَدُ بمَا شَهِدَ اللهُ بهِ وَأسْتَوْدِعُ اللهَ هَذِهِ الشَّهَادَةَ وَهِيَ لِي وَدِيْعَةٌ عِنْدَهُ؛ يُجَاءُ صَاحِبُهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: عَبْدِي عَهِدَ لِي وَأنَا أحَقُّ مَنْ وَفَّى بالْعَهْدِ، أدْخِلُواْ عَبْدِي الْجَنَّةَ].

ومعنى الآيةِ: قال محمدُ بن السائب الكلبيُّ: " لَمَّا ظَهَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالْمَدِيْنَةِ قَدِمَ عَلَيْهِ حَبْرَانِ مِنْ أحْبَار الْيَهُودِ مِنَ الشَّامِ، فَقَالَ أحَدُهُمَا لِصَاحِبهِ حِيْنَ أبْصَرَ الْمَدِيْنَةَ: مَا أشْبَهَ هَذِهِ الْمَدِيْنَةِ بمَدِيْنَةِ النَّبيِّ الَّذِي يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، فَلَمَّا دَخَلاَ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عَرَفاهُ بالصِّفَةِ وَالنَّعْتِ، فَقَالاَ لَهُ: أنْتَ مُحَمَّدٌ؟ قَالَ: " نَعَمْ ". قَالاَ: أنْتَ أحْمَدُ؟ قَالَ: " أنَا مُحَمَّدٌ وَأحْمَدُ ". قَالاَ: فَإنَّا نَسْأَلُكَ عَنْ شَيْءٍ فَإنْ أخْبَرْتَنَا بهِ آمَنَّا بكَ وَصَدَّقْنَاكَ، قَالَ: " اسْأَلُواْ ". قَالاَ: أخْبرْنَا عَنْ أعْظََمِ شَهَادَةٍ فِي كِتَابِ الله تَعَالَى؟ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى علَى نَبيِّهِ هَذِهِ الآيَةَ { شَهِدَ اللهُ أنَّهُ لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ } إلَى آخِرِهَا، فَأَسْلَمَ الرَّجُلاَنِ وَصَدَّقَا برَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم "

قرأ أبو نُهيك وأبو الشَّعث (شُهُدُ اللهِ) بالمدِّ والرفعِ على معنى: هُمْ شهُدُ اللهِ الذين تقدَّم ذِكرهم. وقرأ المهلَّب: (شَهَدَ اللهُ) بالمدِّ والنصب على المدِّ. والآخرونَ (شَهِدَ اللهُ) على الفعلِ أي قَضَاءُ اللهِ، ويقال: أخْبَرَ اللهُ. وقال مجاهدُ: (حَكَمَ اللهُ). قرأ ابنُ السمؤل: (شَهِدَ اللهُ أنَّهُ لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ). وقرأ ابنُ عباسٍ: (إنَّهُ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ) بكسرِ الألف جعلهُ خَبَراً مستأنفاً، وقال بعضُهم بكسرِه لأنَّ الشهادة قولٌ وما بعدَ القولِ مكسورٌ على الحكايةِ، تقديرهُ: قَالَ اللهُ إنهُ لا إلَهَ إلاّ الله. قال المفضَّل: (مَعْنَى الشَّهَادَةِ { شَهِدَ ٱللَّهُ }: الإخْبَارُ وَالإعْلاَمُ، وَمَعْنَى الْمَلاَئِكَةِ وَالْمُؤْمِنِيْنَ بالإقْرَارِ؛ كَقَوْلِهِشَهِدْنَا عَلَىٰ أَنْفُسِنَا } [الأنعام: 130] أيْ أقْرَرْنَا).

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ }؛ معناه الأنبياءُ، وقيلَ: المهاجرونَ والأنصَارُ، وقيل: علماءُ المؤمنين أهلُ الكتاب: عبدُالله بن سلام وأصحابَه، وقال الكلبيُّ والسديُّ: (عُلَمَاءُ الْمُؤْمِنِيْنَ كُلُّهُمْ، فَقَرَنَ اللهُ شَهَادَةَ الْعُلَمَاءِ بِشَهَادَتِهِ، لأنَّ الْعِلْمَ صِفَةُ اللهِ تَعَالَى الْعُلْيَا وَنِعْمَتُهُ الْعُظْمَى، وَالْعُلَمَاءُ أعْلاَمُ الإسْلاَمِ وَالسَّابقُونَ إلَى دَار السَّلاَمِ وَشَرْحُ الأَمْكِنَةِ وَحُجَجُ الأَزْمِنَةِ].

السابقالتالي
2