الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ للَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ ٱلْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَٱتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ للَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ ٱلْقَرْحُ }؛ يجوزُ أن يكونَ أوَّلُ هذه الآيةِ في موضعِ الخفض على النَّعْتِ للمؤمنين، والأحسنُ أن يكونَ في موضع الرّفعِ على الابتداءِ أو خبرُه للذين أحسنوا. ومعنى الآيةِ: الذينَ أجابُوا اللهَ بالطاعة والرسولَ بالخروجِ إلى بدرٍ الصُّغرى من بعدِ ما أصابَهم الْجِرَاحُ؛ { لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ }؛ أي وَافَوا الميعادَ، { وَٱتَّقَواْ }؛ سَخْطَ اللهِ ومعصيتَهُ، { أَجْرٌ عَظِيمٌ } ، لهم ثَوَابٌ وَافِرٌ فِي الجنَّة.

قال ابنُ عباس: " وَذلِكَ أنَّهُمْ تَوَاعَدُواْ يَوْمَ أُحُدٍ أنْ يَجْتَمِعُواْ ببَدْرٍ الصُّغْرَى فِي الْعَامِ الْقَابلِ، فَلَمَّا حَضَرَ الأَجَلُ نَدِمَ الْمُشْرِكَونَ، فَلَقِيَ أبُو سُفْيَانَ نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودٍ؛ وَكَانَ يَخْرُجُ إلَى الْمَدِيْنَةِ لِلتِّجَارَةِ؛ فَقَالَ: إذا أتَيْتَ الْمَدِيْنَةَ فَخَوِّفْهُمْ كَيْلاَ يَخْرُجُوا وَلَكَ عَشْرٌ مِنَ الإبلِ إنْ رَدَدْتَهُمْ، فَلَمَّا قَدِمَ نُعَيْمُ إلَى الْمَدِيْنَةِ؛ وَكَانَ أصْحَابُ رَسُولِ اللهِ يُرِيْدُونَ مَوَافَاةَ أبي سُفْيَانَ؛ قَالَ: بئْسَ الرَّأيِ رَأيْتُمْ، أتَوْكُمْ فِي دِيَارِكُمْ وَقَرَارِكُمْ، وَلَمْ يَنْفَلِتْ مِنْهُمْ إلاَّ الشَّرِيْدُ؛ تُرِيْدُونَ أنْ تَأَتُوهُمْ فِي دِيَارهِمْ وَقَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ، أمَا إنَّ الرَّجُلَ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ يُطِيْقُ عَشْرَةً مِنْكُمْ، إذاً وَاللهِ مَا يَنْفَلِتُ مِنْكُمْ إلاَّ الشَّرِيْدُ. فَكَرِهَ أصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الخُرُوجَ إلَيْهِمْ وتَثَاقَلُواْ، فَلَمَّا رَأى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذلِكَ مِنْهُمْ قَالَ: " وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ لأَخْرُجَنَّ إلَيْهِمْ، وإنْ لَمْ يَخْرُجْ مَعِي مِنْكُمْ أحَدٌ " فَمَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلمِيعَادِ، وَمَعَهُ أبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدُ وَعَبْدُاللهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةُ وَأبُو عُبَيْدَةَ فِي سَبْعِيْنَ رَجُلاً حتى انْتَهَوا إلَى بَدْرٍ؛ فَلَمْ يَخْرُجْ أبُو سُفْيَانَ وَلَمْ يَلْقَوا بهَا أحَداً مِنَ الْمُشْرِكِيْنَ، فَتَسَوَّقُوا مِنَ السُّوقِ حَاجَتَهُمْ ثُمَّ انْصَرَفُواْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: { ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ للَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ ٱلْقَرْحُ } " قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها لِعَبْدِاللهِ بْنِ الزُّبَيْرٍ: (يَا ابْنَ أخْتِي؛ أمَا وَاللهِ إنَّ أبَاكَ وَجَدَّكَ - تَعْنِي أبَا بَكْرٍ - لَمِنَ الَّذِيْنَ قَالَ اللهُ فِيْهِمْ { ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ للَّهِ وَٱلرَّسُولِ } الآيَةُ).