الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ } * { أَوَلَمَّآ أَصَـٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ }؛ أي لقد أنْعَمَ على المؤمنينَ إذ بَعَثَ فيهِم رَسُولاً مِنْهُمْ، وهو النبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ بعثَهُ الله من العرب، معروفَ النَّسب، عرفُوهُ بالصِّدقِ والأمانَةِ، وكان يُسَمَّى (الأمِيْنُ) قبلَ الوحي، وقيلَ: بعثهُ الله من جِنْسِ بَنِي آدمَ، ولَمْ يبعثْهُ من الملائكةِ؛ لأنه إذا كان من جِنْسِهِمْ كانَ تَعَلُّمُهُمْ منهُ أسهلَ عليهم. وقرأ في الشَّواذ: (مِنْ أنْفَسِهِمْ) بنصب الفاءِ؛ أي أشْرَفِهِمْ؛ لأن العربَ أفضلُ من غيرهم، وقريش أفضلُ العرب.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ }؛ أي يقرأ عليهم القرآنَ بما فيه من أقَاصِيْصِ الأُمم السَّالفة، وهو أُمِّيٌّ لَمْ يقرأ الكُتُبَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَيُزَكِّيهِمْ }؛ أي يُطَهِّرُهُمْ من الشِّركِ والذُّنوب، ويأخذُ منهم الزَّكاةَ التي يُطَهِّرُهُمْ بهَا. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ }؛ أي القرآنَ والفِقْهَ، { وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ }؛ أنْ يَأتِيَهُمْ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم { لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ }؛ مِن الْهُدَى.

والخطابُ يُبَيِّنُ قولَه تعالى: { أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا }؛ أي لَمَّا أصابتكُم مصيبةُ يومِ أحُدٍ قد أصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا يومَ بدرٍ؛ أي قَتلتُم يومَ بدرٍ سبعينَ، وأسرتُم سبعينَ، وقُتِلَ منكم يومَ أُحدٍ سبعونَ، ولم يُؤْسَرْ منكم أحدٌ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا }؛ القتلَ والْهَزِيْمَةَ ونحنُ مسلمونَ ورسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيْنَا والوحيُ يَنْزِلُ علينا، وهُم مشركونَ، { قُلْ }؛ يَا مُحَمَّدُ: { هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ }؛ لِمُخَالَفَتِكُمْ أمرَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بالخروجِ عَنِ المدينةِ، وقد كانَ أمَرَكم بالْمُقَامِ فيها ليدخلَ عيلكم الكفَّار فتقلُوهم في أزقَّتِهَا. وقيلَ: إنَّما أصابَكم هذا مِن عند قومِكم بمعصيَةِ الرُّماةِ بتركهم ما أمَرَهُم به النبيُّ صلى الله عليه وسلم، { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }؛ أي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِن النَّصرِ وغيرِ ذلك قَادِرٌ.